«نساء لوركا» والمتعة الناقصة في افتتاح مهرجان حمص المسرحي!
افتتحت ليلة أمس فعاليات مهرجان حمص المسرحي الرابع والعشرين الذي تقيمه نقابة الفنانين في حمص بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا والمسرح القومي في حمص، وذلك على مسرح قصر الثقافة.
وتضمن الافتتاح كلمة مقتضبة للفنان أمين رومية رئيس نقابة الفنانين في حمص معتبراً فيها أن مهرجان حمص المسرحي يلعب دوراً هاماً في الحراك الثقافي في سورية ومدينة حمص على وجه التحديد، مبيناً أنه في دورة هذا العام كما الأعوام السابقة احتكمت نقابة الفنانين في اختيار العروض المشاركة في المهرجان إلى لجنة القراءة والمشاهدة، من خلال قواعد وأسس فنية دقيقة، ليتم اختيار عروض تعكس تنوع التجارب المسرحية، وتعدد الرؤى والأفكار التي تجسد قضايا مجتمعية وفنية وفكرية بطرائق شتى لعدد من المسرحيين الشباب, وأهدى فعاليات المهرجان إلى روح الفنانين الراحلين: «زهير رمضان، محمد بري العواني، أحمد منصور», ثم قدّم الفنان هادي بقدونس نائب رئيس نقابة الفنانين في سورية معزوفات على آلة الكمان أهداها لروح صديقه الفنان زهير رمضان, وتلا ذلك عرض فيلم من إعداد رومية سلط الضوء على أهم المحطات في حياة المبدع الراحل محمد بري العواني الذي كان من أعمدة هذا المهرجان، فهو شارك في فعالياته السابقة كمخرج ومحاضر ومنظّم ندوات، وكتب العديد من كلمات التكريم للفنانين, فهو باحث وكاتب مسرحي وموسيقي صدر له العديد من الكتب جلّها عن وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب.
«نساء لوركا»!
لا يزال مخرج مسرحية «نساء لوركا» للمسرح القومي في حمص حسين ناصر التي كانت أول عروض المهرجان مصراً على حضور بعض العازفين الموسيقيين الذي يؤدون الموسيقا التصويرية للعرض على الخشبة كما في عروضه السابقة لفرقة المسرح الجامعي، وهو أمر لا يبدو مشغولاً من الناحية الدرامية إذ لا تسويغ لمشاهدتنا لهم, فهم ليسوا من جسد العرض كما قد يتوهم بعض المشاهدين، على اعتبار أن هؤلاء العازفين أول ما سنشاهدهم في الفضاء المسرحي، إذاً لن يتغير أي شيء فيه لو استخدمت الموسيقا التي عزفوها وصوت المغنية حلا طراد، من خلال آلة تسجيل, في ظل ذلك شكل حضورهم مشاغبة بصرية على المشاهدين وهم يتابعون حركة الممثلات اللواتي حاولن تقديم ما يريد المخرج أن يقوله لنا عبر اختياره من نساء نصوص الشاعر «لوركا» المسرحية, كما يتابع المخرج حسين تقديم عروضه من دون ديكور فالمكان افتراضي وخالٍ من أي قطعة إكسسوار، مكتفياً بتقديم أزياء مناسبة برغم أنه لم يعتمد على تحميل الأزياء الدلالة الكافية للأم فكانت هي وبناتها بأزياء باللون الأسود، فقط من لعبت دور العروس ارتدت ثوب الزفاف الأبيض التقليدي، والفتاة التي جسدت بالرقص رغبة الفتيات بالانعتاق والحياة ارتدت ثوباً أحمر, فهل يعقل أن تكون السلطة الاجتماعية والضحية في لباس بلون واحد؟ برغم أنه ميّزها بارتداء حذاء بكعب عالٍ وجعل بقية الممثلات/ أو الشخصيات حفاة. هذا التوجه بتقديم مسرح فقير يفترض أن تستكمل تلك النواقص بإعداد جيد لنشاهد عرضاً فيه مقومات الدراما التي تجعله عرضاً متماسكاً واضح الدلالة، لا مجرد منولوجات تقولها النساء عن السلطة الاجتماعية بكل ما تعنيه من تقاليد والمتمثلة بالأم، فلم يتبلور ذلك على شكل صراع، حتى في الحركة الأولى للعرض حيث جميع البنات حول الأم فكانت هي من تدفع الجميع للأمام ومن ثم يعيدونها للخلف، والقيمة الفكرية للعرض تفترض العكس تماماً, ولم نعرف لماذا كسر بعض الممثلين الجدار الرابع، فهبطوا إلى الصالة ثم عاد من عاد، ولم نكترث لماذا هبط من هبط مرة ثانية. ليس من عادة المخرج حسين ناصر أن يكون عرضه بهذه العشوائية، صحيح أن عروضه الأخيرة مبنية على تقنية اللوحات ومن دون بناء درامي متماسك، ومن دون خيط درامي يربطها، لكنها كانت أفضل بكثير بصرياً وأدائياً وفكرياً من هذا العرض.
ثم هل المرأة لا همَّ لديها تعانيه في المجتمع سوى التحرر من سلطة التقاليد لأجل الارتباط بمن تحب؟! وإن كنا سلمنا على أنه تفصيل أساسي في حياة المرأة، لكن ذلك يفترض مقاربة بشكل درامي أكثر عمقاً ومتانة تجعلنا كمشاهدين نتعاطف مع تلك الشخصيات المحرومة من حقوقها التي ترقص رغائبهن أمامهن ولا يطلنها، فكانت الصبية التي ترقص تعبيراً عن تلك الرغبة هي أفضل ما قدمه المخرج في العرض, ثم ما علاقتنا كمشاهدين بـ«أجراس الفجر التي تدقُّ في غرناطة»، كما غنت «حلا طراد» لمرتين خلال العرض؟! اعتقونا يا مخرجين من بعض النصوص التي وسمت أنها عالمية لمجرد ترجمتها للعربية ولبعض اللغات، يكاد الزعم يأخذنا إلى أنها في بلدانها قد نُسِّقت ولا يجسدها أحد من المسرحيين، فمتى تدقق مديرية المسارح والموسيقا في دمشق والمسرح القومي في اختيار بعض النصوص، إن كانت تلامسنا أم لا، وأن النصوص المختارة ميتة في بلادها فما شأننا بها، أو ليتم التدقيق في إعدادها وأن يكون مناسباً لبيئتنا متواشجاً مع همومنا وهواجسنا وأسئلتنا.
وفي ختام الكلام لا نستطيع إلاّ أن نثمّن جهد فريق التمثيل الذي يشكرون عليه، فليس لهم أي ذنب في تقديم عرض هزيل لا يرقى لأن يكون من إنتاج المسرح القومي، ولا حتى يحمل توقيع المخرج ذاته الذي شهدنا له عروضاً أجمل فنياً وفكرياً. تجدر الإشارة إلى أن ثمة ندوة حول العرض عقدت عقبه لم نتابعها، شارك فيها المسرحيون: محمد سلام اليماني، حسن عكلا، والفنان التشكيلي إياد بلال، بمشاركة المخرج وإدارة الممثل تمام العواني. أما فريق العرض المسرحي فهم الممثلون: مثال جمول، يارا رضوان، لمى شحادة، سلام الخضر، إليسار إسبر، ستيفان برشيني. رافقهم في الموسيقا: حميد حاماتي «بيانو»، علي الصالح «كلارينيت»، وائل درويش «إيقاع»، علي الشيخ «غيتار»، كما شارك في العرض «رقص» سالي أحمد، علي الترك «إيكوغراف».