جهد فني واضح ترافق مع رؤية بصرية تغني الحدث وضعها مهندسو الديكور في خدمة الدراما لتنقل واقعاً معيشاً، حسب زمن الحدث الدرامي، بلمساتهم التي تنقلنا إلى أجواء الحدوتة المطروحة، وتجعلنا نتجول في كواليسها، نتلمس جدرانها، ونتنشق عبق حاراتها، لدرجة أصبح الديكور شريك نجاح أبطال الدراما السورية.
إحياء المكان
المهندس حسان أبو عياش، مؤسس ديكورات البيئة الشامية ومن أوائل من أسهموا في نهضة الدراما السورية في هذا المجال، شهرته في تصميم ديكورات الأعمال الشامية جعلته متفرداً فيها، يحدّث «تشرين» عن كيفية تصميم ديكورات هذه الأعمال ومدى ارتباطها بالمادة الدرامية والتوثيقية قائلاً: إن التوثيق في مدينة دمشق موجود ولا يحتاج إلى بحث، فدمشق غنية بتنوعها فلا بيت يشبه الآخر، صحيح أن هناك تشابهاً بالتفاصيل العامة إلا أن لكل بيت خصوصيته من ناحية التوزيع والمساحة والزخارف وحتى الورود والأشجار، لذلك هناك تنوع وبمجرد أخذ الشكل العام نقوم بإضافة لمساتنا الخاصة، وربما نخترع ،فالاشتغال يكون بناء على بنية النص، وهناك تفاصيل نقوم بها كي لا يضطر المخرج إلى عمليات التقطيع الفني وحتى لا يفقد العمل حيويته.ويضيف أبو عياش: نحن نصوغ ونشكل أي مدينة وفق مفرداتها ووفق التأثيرات الحاصلة لها تبعاً للفترة الزمنية الموجودة في العمل الدرامي من ناحية الأثاث والبناء والإكسسوارات والطراز المعماري فهناك طرز معمارية لها علاقة بالبيئة، فمثلاً مناطق العراق وبلاد الرافدين تهتم بـخامة (الآجرّ)، وفي المناطق الجبلية يكون البناء بالحجر، مع ضرورة أن تكون مواد البناء متوافقة مع مفردات النص وبيئته، لذلك يجب أن يكون مهندس الديكور ذا خبرة واطلاع بالتاريخ، وأعتقد أن من يدخل إلى عوالم الديكور يصبح كمن يستحضر مكاناً منذ مئة عام بكل مفرداته، وهنا تأتي مهمة المخرج في إحياء النص البصري وحسب اللونية التي يريد، فهناك مخرجون يميلون إلى الرماديات، وآخرون إلى البُنيّات، والبعض الآخر يركز على تفاصيل الممثل بحيث لا يسرقُ الديكورُ اللقطةَ، ولا يضيعُ المشاهد بتفاصيل أخرى، واستطرد أبو عياش قائلاً: معروفٌ عني أنني أميل إلى بناء الديكورات من الأساس لأضع ما أراه مناسباً للنصّ، ولا أحب أعمال الترميم أو الترقيع لديكور سبق أن تم تصميمه وبناؤه. وحول المواد التي يستخدمها في بناء الديكور يجيب: نحن نعتمد على الخشب بأنواعه ونغلّفه بقماش من الخيش، ومن ثم بطبقة من الجبصين أو بزخارف من (الستريبور) التي نحفرها أو نطبعها أو قد نرسمها، وهناك بعض المشاهد التي طبقنا فيها الرسم العجمي.. صحيح أنه ليس بدقة العجمي ولكنه يوحي بأنه عجمي، وميزة العمل التلفزيوني أن شاشته لا تبرز التفاصيل الصغيرة بشكل واضح كالسينما.
أما عن أفضل ديكور صمّمه أبو عياش – بالنسبة له – عبر مسيرته الطويلة فهو ديكورات (مسلسل العبابيد) للمخرج بسام الملا إذ كان من أهم وأضخم الأعمال التي شارك في تصميمها، واستمر العمل فيه مدة سنتين بين توقف واستمرار.
النصّ هو أساس الديكور!
من جهته أشار مهندس الديكور يامن يوسف إلى أن النص الدرامي هو الأساس الذي يبنى عليه الديكور بحيث يكون مناسباً ومراعياً للحدث الدرامي، ويكون مساعداً في إيصال اللحظة إلى عين المشاهد، لكونه يقوم بتشكيل وتنسيق الفضاء الذي تدور فيه أحداث العمل الفني بقصد تفسير الأحداث والتحكم بشكله بهدف تحقيق أهداف العرض الدرامي ومتعة الفرجة البصرية، ويشكل الديكور الإطار الذي يحيط بحدوتة العمل، إضافة إلى أن تراكم الخبرات أدى إلى الفهم الحقيقي لكيفية التعامل مع الدراما بكل عناصرها بدءاً من النص الدرامي الذي يحتمل عدة عروض قد تكون متباينة الرؤية والدلالة، لذا يقوم المخرج بالتعاون مع مهندس الديكور (المخرج البصري) باختيار الرؤية المناسبة.
يتابع يوسف حديثه لـ«تشرين» : ومن حسن حظي الوافر أن أكون مهندساً للديكور مساعداً ومتدرباً عند أستاذ كبير وصاحب تجربة وبصمة كبيرة هو الأستاذ حسان أبو عياش، وكذلك الأمر حصل لي مع الأستاذ علاء صبري الذي أدخل مفهوم السينوغرافيا إلى العمل الدرامي، وعملت على الاستفادة من دراستي في كلية الفنون الجميلة ونقل معرفتي البصرية إلى (سينوغرافيا العمل الدرامي).
وأضاف: نرى عبارة “Art director” وتعني “مهندس الديكور” ومهمته تصميم وتنفيذ الهوية البصرية للعمل الدرامي، ويتوجب عليه معرفة كل ما هو متعلق بالفترة الزمنية لأحداث معينة وأن يقوم بربطها بصرياً بالفترة التي ينتمي إليها المسلسل من ملابس وأثاث وبناء وغيره، مع مراعاة الفكر السائد في تلك المرحلة وتحليله وتشكيله بصرياً بما يتناسب مع الرؤية الإخراجية العامة.