الروائي خليل صويلح يحذّر القارئ من «حفرة الأعمى»
بالتزامن مع صدور الطبعة العربية من كتاب الروائي خليل صويلح «حفرة الأعمى» عن دار المتوسط في ميلانو، صدرت طبعة سورية عن دار نينوى في دمشق. والكتاب نوع من السيرة الروائية وفقاً لخبرة الروائي ومفهومه لفن السرد مستخدماً براعتي الروائي والصحفي ليمزجهما بقالب حكائي رشيق يبدو فيه خليل صويلح كنبّاش قبور بارع يعرف في أي حفرة من تاريخ الأدب سيعثر على سنٍ ذهبية، أو حلية فضية، ذهبت ذات يوم مع جثة صاحبها ، فيذهب إليها مباشرة.
وحسب مقدمة الناشر فإن خليل صويلح يعطي دروساً لنفسه ــ بل يتيح للآخرين مشاركته إياها ــ في فن السرد، مستلهماً تقنيات المطبخ وتقطيع اللحم، ومفكرة أبيه الخالية من أيام الأربعاء، وسجلات الأحوال المدنية، ومسارات السهرات الريفية، ومطالع حكايا شهرزاد.
كل ذلك يصبّه خليل صويلح في خلاصات ثاقبة، وعبارات مكثفة متلاحقة، تصلح دليلاً شخصياً لمعنى السرد، «ولا يمكن تصنيف الكتاب على أنه أدب، أو أنّه عن الأدب، أو أنه نقد أو صحافة.. هو كل ذلك بمزيج بارع، تجتمع فيه خبرات حياة وقراءة وكتابة الروائي والناقد وابن الحياة، الذي ما زال يملك القدرة على الابتسام وعلى صنع الابتسام». من عناوين مقامات الكتاب: «طبّاخون بالجملة، وأطباق فارغة على الموائد»، و«فضائل الاختزال»، و«إغواءات الرمل»، و«خسائر ورشة الخيال»، و«ترويض فوضى المخيلة»، و«مرافعة عن عمل الحكّائين».
وقال الزميل الروائي خليل صويلح في تصريح خاص لـ«تشرين»: «إن كتابه النقدي هذا محاولة لمواجهة الفائض السردي الذي غزا الرواية العربية، تلك الرواية البدينة التي يحشوها مؤلفوها بالدهون الضارة». وأضاف: (يقف هذا الكتاب على تخوم النقد لأنه لا يخضع لأدوات النقد المنهجي والمدرسي، إنما محاولة للطيران الحر بين نصوص مختلفة لكتّاب عرب وعالميين، أولئك الذين لم يقعوا في حفرة العمى السردي، ومن هنا أتى عنوان الكتاب، وهو الرابع لي في هذا السياق بعد («قانون حراسة الشهوة»، و «ضد المكتبة»، و«نزهة الغراب»).
ومن مناخات الكتاب نقتطف المقطع التالي: «سوف أتوقّف بإعجاب عند تفسير كلمة سرد في أقدم مرجعياتها العربية، سردَ الجلد إذا ثقبه بالمخرز ثقوباً متتابعة». هكذا يتخذ الجلد هيئة رقعة الكتابة، ويتكفّل المخرز بمهمة القلم أو أحرف الكيبورد، بالانتباه المركّز إلى موقع الثقب، فإفلات مكان أحد الثقوب أو نسيانه، ينطوي على ثغرة أكيدة في تتابع السرد. خلاف ذلك يغرق بعض الروائيين في إهدار عشرات الصفحات حول تفصيلٍ ما، إلى أن ننسى الفكرة التي سبقته، وضرورة الفكرة التي تليه، ما يضطرنا لإعادة القراءة ثانيةً بضجر، فوصف ممر في مبنى من دون أن يعبره أحد، أو أن يفتحَ شخص ما باب غرفة في هذا الممر اللعين يبدو سرداً نافلاً ومضاداً لمتطلبات الكثافة السردية، واكتناز المعنى في آنٍ واحد، أو كما يقول بول فاليري : «على المرء أن يكون في خفّة الطائر، لا الريشة». على المقلب الآخر يهدينا ماريو بارغاس يوسا نصيحة ثمينة مقارناً الروائي بمريض الدودة الوحيدة، وضرورة التعايش الدائم مع هذا الحيوان القابع في الأحشاء، وذلك بالانكباب الحصري على متطلباته، وإقصاء لما عداها، فاحتراف الأدب يحتاج إلى حماسة من يعتنق ديناً».