معرض (تجارب.. في تقنيات غير قابلة للتزوير).. الوصولُ إلى لوحةٍ فريدة لا تُكرَّر!
(تجارب.. في تقنيات غير قابلة للتزوير) عبارةٌ أغرتني وأثارت فضولي لزيارة معرض الفنان د.عبد الله صالومة، بل وجعلتني أتساءل عن مدى الثقة التي أوصلت هذا الفنان لاختياره تلك العبارة لتكون عنواناً لمعرضه الفردي في صالة (مشوار) متحدياً بها أساليب التزييف والتقليد في أشكال الأعمال الفنية من الخارج، ليصل إلى الفرادة النابعة من دواخل نفسه ومكنوناتها، مقدماً 28 لوحة مركّبة وعادية تنوعت أساليبها وتقنياتها خلال 28 عاماً تليق بمتعة المشاهدة والتي بالفعل لا يُستطاع تقليدها فاستحق بجدارة أن يُعَنوِنَ معرضه بذلك العنوان بكل ثقة، وأن يفتتح بحضور مميز ذوّاق للفن على أنغام عازف الفلوت (كمال منيني)
عن إقامة هذا المعرض يقول الفنان صالومة: منذ اختراع التصوير الضوئي واجهت اللوحة أوّل مُتحدّيها، وبعد التصوير الضوئي الملوّن ازداد منسوب التحدّي بظهور تقنيات الطباعة الملونة، ولكن بقيت للّوحة قيمتها العالية لكونها نفيسة وفريدة، وستظل تحتفظ بمكانتها مادامت غير قابلة للتكرار، لكن هذه اللوحات الفنيّة باتت تواجه إمكانية التزوير وذلك بتعاون جميع التحديات السابقة يضاف إليها تطور تقنيات الطباعة التي أتاحت الطباعة على قماش اللوحات (الكانفاس) وبهذا وصل التحدي بالنسخ والتزوير إلى ذروته، فماذا لو أضفنا إلى ما سبق يد المصوّر الناسخ أو المزوّر الذي يعيد تلوين ما طُبع على القماش ليبلغ التزوير ذروته من حيث الدقّة والمُطابقة للأصل!؟ من هنا جاء معرضي (تجارب.. في تقنيات غير قابلة للتزوير) الذي ضمّ مجموعة متنوعة من تجاربي التقنية في اللوحات، تمتد على مدى حوالي ٢٨ عاماً من ١٩٩٣ وحتى ٢٠٢١، تمّ عرضها في ثلاث غرف ضمن الصالة، وقد ضمّت الغرفة الأولى لوحات ما بين ١٩٩٣ حتى ١٩٩٩، وضمّت الغرفة الثانية والثالثة أعمالاً ما بين من ٢٠٠٧ حتى ٢٠٢١، وهي تجارب تقنيّة لتنفيذ لوحات لا يمكن تزويرها عن طريق الطباعة على قماش ولا بيد رسّام أو مصوّر يجيد النسخ ولا حتّى إن اجتمع كلاهما (الطباعة + الناسخ) وذلك بهدف الوصول إلى لوحات تحمل صفة الفرادة مستخدماً عدة تقنيات منها: معجونة نافرة، ورق ذهب وترابات ذهب، رسم على الخشب أو المعدن، كولاج قماش، رسم بالسكينة أو بالريشة بألوان نافرة، قحط بالسكينة لسطح ملون نافر، حرق، ورق مجعلك، رسم على طبقات من الشفافيات..
أما عن لوحاته المركبة من أكثر من (شاسيه) وفكرتها فيقول:
بدأت الفكرة عام ٢٠٠٧ في فرنسا حيث فكرت بجمع أكثر من (شاسيه) أي (لوحة قماشية) في تكوين واحد مركب، فحين وصلت إلى فرنسا لم أكن أعرف في البداية من أين أشتري الـ(شاسيهات) ولكني وجدت في أحد المتاجر الكبيرة ثلاثة (شاسيهات) صغيرة ولم أجد قياسات كبيرة، فاشتريتها وحين عدت إلى المنزل وجدت صعوبة في رسم تكوين على حجم صغير فقد اعتدّت الرسم على (شاسيهات) بقياسات كبيرة، فوضعتها على الأرض وجمعتها معاً ليصبح الحجم أكبر وقلت لنفسي: لِمَ لا؟… ثم وضعت واحداً فوق الاثنين الآخرين وبدأت برسم تكوين مركب وهكذا..
ويتابع الحديث عن اللوحات المركّبة قائلاً: أنا شخصياً لا أهتم كثيراً بالتلوين وكثرة الألوان في اللوحة، ما يهمني هو التكوين الذي يجمع العناصر ضمن اللوحة، بالإضافة إلى التشريح والتظليل للأجسام المرسومة.. من هنا وجدت في اللوحة المركّبة من أكثر من (شاسيه) تكويناً مركباً أعقد، بحيث يجب دراسة كل تكوين في كل (شاسيه) ليكون جميلاً، مع التكوين الجميل الجامع لكل الـ(شاسيهات) في لوحة مركبة أيضاً.. وبقيت مستمراً في تنفيذ لوحات بهذا الأسلوب المركب من ٢٠٠٧ ولغاية 2017.
يُذكر أن د. عبد الله صالومة فنان تشكيلي ومدرّس في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، حاصل على دكتوراه تاريخ في اختصاص (تاريخ الفن) من جامعة (لوميير ليون الثانية) من فرنسا، و(ماستر) إنسانيّات في (تاريخ الفنون) من جامعة (بيكاردي جول فيرن) الفرنسية، وماجستير في الفنون الجميلة (تصوير) من جامعة دمشق، ودبلوم دراسات عُليا في الفنون الجميلة (تصوير) من جامعة دمشق، وقد أقام العديد من المعارض الفردية في دمشق، كما أقام معرضاً ثنائياً مع فيفيان الصائغ في صالة (إتيان دو كوزان) في باريس- فرنسا، وشارك في العديد من المعارض الجماعيّة، كما نفّذ ثمانية عشر عرضاً أمام الجمهور مباشرة ضمن حفل رسم على إيقاع الموسيقا بهدف ربط الفنون بالموسيقا والرقص وذلك منذ عام ١٩٩٦ حتى الآن، منها ثلاثة عروض لفيلم (تعاون الفنون السبعة) على مسرح المركز الثقافي الفرنسي في دمشق.
تصوير- طارق حسنية