مسلسل (صالون زهرة) تعوزه تسريحة درامية أكثر إتقاناً!

خلال خمس عشرة حلقة، قدم المسلسل اللبناني (صالون زهرة) لكاتبته (ندين جابر) وإخراج (جو بوعيد)، خطابه الدرامي الذي رسمت فيه جابر نماذج عدة للمرأة، يجمعها خيط درامي واحد هو الحب. عُرِض أخيراً على فضائيتين عربيتين، وبتجسيد فريق تمثيل من اللبنانيين وبمشاركة من أربعة ممثلين سوريين (معتصم النهار، رشا بلال، لجين غرّة، علي سكّر).
بطلة المسلسل الشابّة (زهرة/نادين نسيب نجيم) صاحبة صالون التجميل، التي تدافع عن حقوقها ولا تسكت على ضيم، رسمتها الكاتبة بتفاصيل إنسانية مؤثرة، تدافع عن شقيقتها (ميسم/أنجو ريحان) كلما ضربها زوجها (فادي أبو سمرا)، رغم إن شقيقتها التي هي نقيض لها، تتأخر في استيعاب الدرس، وترفض تدخلها في مشكلاتها بل وتغرق في الخضوع لزوجها الذي طلقها نتيجة هذا التدخل، لكن ما إن تقنعها (زهرة) بالعمل معها، وتبدأ بالاستقلال الاقتصادي حتى تعي ما كانت تقوله زهرة، فتستيقظ من خنوعها لزوجها، وهذه إشارة مهمة من الكاتبة إلى أن العملَ هو سبيل مهم لوعي المرأة بحقوقها وأن استقلالها الاقتصادي يساعدها على حماية هذه الحقوق.

حب وخداع
كما أكدت الكاتبة من خلال شخصيات نسائية أخرى تعمل أيضاً في صالون زهرة، على أن عاطفة الحب لا المصلحة هي الرابط بين الرجل والمرأة، وهي الحافز لتجاوز أي عائق. فشقيق زهرة (زيكو/حسين مقدم) غير مقبول من قبل أم حبيبته لأنه ليس غنياً كما تشتهي، فتحاول فك ارتباط الخطبة بينهما لكن والد الفتاة يشجعه على الارتباط من دون موافقة الأم، وأنه سيغض الطرف عن ذلك، وهذا ما يحدث. في حين أن الشاب (فادي/ جنيد زين الدين) الذي كان يعيش على نفقات حبيبته (لينا/لجين غرّة) التي تعمل أيضاً في الصالون، وكان على استعداد لخيانتها متى شاء، فحاولت الابتعاد عنه إلاّ أن الحمل منه قد غيّر ما قد يحسمه العقل، إلاّ أن العاشق المخادع لم يلتزم بتلك الحبيبة وبثمرة الحب، فتجهض حملها، ولم يعد العاشق لصوابه، إلاّ بعد مشاهدته زميلات حبيبته يقترنّ بمن عشقن باسم الحب. وفي هاتين الحالتين لا نعتقد أن الكاتبة كانت تشجع على الزواج من دون موافقة الأهل، ولا على “المساكنة” في الحالة الثانية، بل على أهمية الحب الذي هو عماد الارتباط بين الزوجين.

دفاع لا رجولة
وبالعودة لشخصية زهرة، سلطت الكاتبة من خلالها الضوء على المرأة المرفوضة من قبل المجتمع بحكم ذكوريته الذي لا يقبل نساءً يعتمدن على ذاتهن، من دون أن يتأثرن بتقاليد المجتمع وثرثرة أفراده، خصوصاً في الأوساط الشعبية، و(زهرة) ليست أخت الرجال، كما يحلو لنا أن نسمي المرأة التي تستطيع أن تقاتل حتى زوج شقيقتها عندما يعتدي عليها بالضرب، بل امرأة تدافع عن إنسانيتها، وهي لا يلين قلبها وعقلها إلاّ لرجل يحبّها بصدق بما هي عليه.
ونشاهد أن (زهرة) التي جسدتها الفنانة نادين ببهاء وألق بكل فرحها وغضبها وحزنها وسكونها وتأملها ودموعها، قد أثبتت أنها ممثلة تليق بكل الأدوار، وكذلك أجاد بقية فريق التمثيل، لكن (زهرة) التي لم تيئس، انكسر قلبها مرة ثانية من الرجل الذي افتضح أمره (أنس/معتصم النهار)، والذي يعمل بتهريب العملة الأجنبية، ويموّه عمله بتنجيد المفروشات بأنواعها، فيذهب الكرسي الذي فيه المال لصالون زهرة بالخطأ، فيجد نفسه مضطراً لأن يوطد علاقته بها لكي يحصل على الكرسي والمال الذي بداخله ليعيده لصاحبه، بعد أن أخفق في تهريبه.
إلاّ أن الخطأ في مسار الكرسي، وغير المقنع درامياً، خلق له صراعاً مع رئيس العصابة، ما ساهم بأحداث وتطوّر للخطوط الدرامية لبقية الشخصيات التي أشرنا لبعضها وتبقى الإشارة إلى أهمها، وهي شخصية (هنادي/كارول عبود) المرأة التي ارتبط بها (يوسف/طوني عيسى) الذي كان يعيش قصة حب مع زهرة والذي لم يتفهّم وضعها وتخلى عنها عندما أخبرته حادثة الاغتصاب الذي تعرضت له ذات يوم وهي تعمل في فندق والدها وأنها تربي طفلة من ذلك الحادث، وأنها تكتمت على كل ذلك، فتخلى عنها ولم يرتبط بها، بل ارتبط بامرأة أكبر منه، لكنه ظل يطارد زهرة بعواطفه وكلما صدّته ازدادت مشاعر حبه لها توقداً فتتوقد الغيرة في قلب زوجته فتلتهب نار الشجار بينها وبين زهرة. فنشاهد من خلالها أنموذجاً آخر للمرأة التي حاولت بالمال أن تشتري حباً لها لكنها أخفقت عشقاً ونجحت أداءً بكل خميرتها الأدائية كممثلة مخضرمة مسرحياً وسينمائياً، فانفصلا أخيراً رغم كل محاولات البقاء معاً. لتقول الكاتبة من ذلك: لا تحيا علاقة معنوية تأسست على منفعة مادية!.

لا غفران
المسلسل وإن كسر رتابة الحلقات الثلاثين، وجاءت حلقاته بلقطات سينمائية وتقطيع مشهدي أضفيا عليه حيوية وجذباً بصرياً، عانى مصادفة وجود طقمي كراسي منجدين بالجلد وباللون الأحمر، فلم يستطع “سمير/ علي سكّر” الذي وضع في إحداها الدولارات المطلوب تهريبها، أن يميز بين طقم وآخر، فمضت الدولارات لصالون زهرة لتتلاحق الأحداث من أجل استعادتها. فلم يكن هذا الإهمال من معلّمه “أنس” مقنعاً، كما لم يكن مقنعاً أن تتعرض زهرة للاغتصاب بفندق والدها دون أن يتنبه لذلك أحد ويقدّم لها المساعدة، وأن تنجب أيضاً طفلة بمساعدة قريبة لها بعيداً عن أعين عائلتها، وتظل بمتابعة شبه يومية لحياة طفلتها دون أن ينتبه لغيابها أحد، وكأن الأحداث تجري في ولاية أمريكية كبيرة المساحة.!
وإن غفرنا كمشاهدين ما سبق للكاتبة، كيف نغفر لها نسيانها وضع كاميرات مراقبة لصالون التجميل فلم تفطن لها زهرة كي تتفقدها لتعلم من خرّب الصالون بحجة السرقة؟ وحتى صديقتها التي تعمل معها والتي سرقت الفلوس لم تأبه بوجود الكاميرات التي لم تتعطل إلاّ في ليلة محاولة العصابة سرقة الصالون بعد أن أطلق النار عليها من قبل شخص آخر كلفته بذلك “مرام/ رشا بلال” قريبة “أنس” لأجل مساعدته باستعادة الفلوس التي سبقتهم إليها “ابتسام/ نهلة داوود”. فكان حرياً بها أن تتذكرها زهرة وتقول للشرطة عنها، لتعرف من قام بالسرقة، فالكاميرات سجلت صورة من أطلق النار وأوقف عملها، وتأتي أهمية ذلك أن السرقة تمت قبل تعطيلها. فهذا غاب عن الكاتبة والمخرج في آن واحد!! ولا يشفع لهما النهاية السعيدة بارتباط زهرة وأنس رغم اكتشافها حقيقته وكيف تسلل إلى قلبها، كي يؤكد المسلسل بهذا الارتباط أن الحب أن تقبل شريك حياتك كما هو، إن كنت تحبه بصدق، وهذا ما فعله “أنس”، لا يشفع لهما لأن للدراما شروطها أيضاً وهي إقناع المشاهدين بما يرون، وهذا ما لم يتحقق في ” صالون زهرة” الذي كان بحاجة لتسريحة إبداعية أخرى أكثر إقناعاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار