أسامة كوكش في «حارة القبّة»: تجنّبتُ «العنتريّات» المتداولة في أعمال البيئة الشاميّة!
تجولّتُ في أزقة دمشق وحواريها، وعانقت حجارتها العتيقة، وتنشّقت ياسمينها الدمشقي كل طفولتي، وقضيت شبابي أهيم بحبها وحب تفاصيلها, دمشق قبلة الحب والعشق، ومن هنا بدأت بنسج حكايتي عنها وعنونتها بـ«حارة القبة».
بهذه الكلمات افتتح الكاتب أسامة كوكش حديثه لـ«تشرين» عن عمله «حارة القبة», وكيف استفاد من ذاكرته عن الشام في حياكة تفاصيله، تساؤلات كثيرة يجيب عنها الكاتب كوكش عن جديد الجزء الثالث:
• نجاح لافت حققه مسلسل حارة القبة بجزأيه، هل كان هناك حاجة للتوجه لإنجاز جزء ثالث؟.
في الحقيقة إن مسلسل «حارة القبة» مشروع مخطط له منذ البداية، بدأ بخمسة أجزاء وكان قراراً مشتركاً بيني وبين شركة «عاج» الشركة المنتجة للعمل، عندما قدمت فكرة المشروع للشركة ورسمت الخطوط العريضة لشخوص الحكاية وأحداثها ومساراتها كان السؤال: هل يحتمل هذا العمل الإعلان عنه كخمسة أجزاء؟ هذا الموضوع كان عبئاً، أي الارتباط بمشروع بهذه الضخامة في الوقت الذي كنت فيه لا أملك أكثر من «كروكي» وبضع حلقات، عندها طلبت مهلة لدراسة الموضوع ووضعت خطوطاً جديدة عن كيفية استمرار الحكاية لخمسة أجزاء، وتمّت الموافقة عليها وبناء عليه اكتملت الرؤية العامة للمشروع ليكون خمسة أجزاء، ولم يكن الموضوع أبداً عبارة عن جزء أو جزأين، والدليل على ذلك هو وجود شخصيات تمّ الحديث عنها في الجزء الأول ستظهر في الجزء الثالث وهكذا.
• ألا ترى أنها مجازفة خطرة بكتابة خمسة أجزاء في تجربتك الأولى عن أعمال البيئة الشامية؟
كل عمل يحمل بين طيّاته مغامرة إن كان خمسة أجزاء أو مسلسلاً من عشر حلقات، لكن هي مغامرة محفزة تشكّل تحدياً لأصحاب المشروع من كاتب وشركة منتجة ومخرج، وهي حافز على تقديم الأفضل وتحمّل أصحاب المشروع مسؤولية أمام المشاهد، فأرجو أن نكون على قدر هذه المسؤولية هذا السعي لإرضاء المشاهد يتمنّاه صنّاع أي عمل فني.
• صناعة «حكاية شامية» تتناول مراحل حساسة من تاريخ دمشق قد توقع الكاتب في مطب التوثيق عبر الحكاية المتخيلة كيف تجنّبت هذه القصة؟.
فيما يخّص الحالة التاريخية والتوثيقية هناك تجنب الخوض في التاريخ في بلادنا العربية، ونحن لا نقبل إلا بوجهة نظرنا الشخصية والفردية، فالحديث عن التاريخ لا يرضي أحداً، ولا أحد يستطيع الادعاء أنه يمتلك ناصية الحقيقة كاملة، دائماً هناك وجهات نظر في التاريخ، وتالياً الخوض فيه مشكلة، ولأننا لا نتقبل وجهة نظر الآخر يتم الهجوم على أي عمل فيه جانب تاريخي موّثق, هناك من يقبل بوجهة النظر المطروحة وهناك من لا يقبل، وأعتقد أنه لا حقيقة ثابتة في التأريخ! فإن دخلنا إلى خطوط التاريخ والتوثيق سنكون أمام جبهتين: جبهة مع، وجبهة ضد! عموماً صنّاع الدراما يتجنبون هذه المغامرات والإشكاليات التي قد يتعرض لها الكاتب والمخرج أو الشركة المنتجة، علماً أن التاريخ غنيّ، ولو كنا قادرين على الدخول إلى الوثائق وتقديمها من وجهة نظر معينة، كنّا سنقدم أعمالاً أغنى وأعمق بكثير، لا تكون الحكايات فيها مجرد للتسلية بل كنا سنقدم فوق متعة الفرجة شيئاً ذا قيمة تاريخية.
• بعض النقاد رأوا أن الأعمال الشامية لم تخرج من نطاق التجريب والمتاجرة في تقديم الصورة النمطية لدمشق! هل استفدت من ذاكرتك وطوعتها فيما كتبت لكسر هذه الصورة؟.
تقديم الصورة النمطية لدمشق ووجود بعض الحكايات المكررة أديا إلى حالة عدم رضا لدى المشاهدين من أعمال البيئة الشامية، بالتأكيد ذاكرتي مليئة بحكايات عن دمشق عن أهلها وناسها وعاداتها وتقاليدها، وهناك شيء عشته، أستطيع القول عشت البقايا منه بحكم العمر لكن سمعت حكايا الجدات عن دمشق، وعن بيئتها وعاداتها وتقاليدها والحقيقة أنني معجب بدمشق مثل إعجابي بحلب واللاذقية وطرطوس والسويداء وكل المحافظات والمدن السورية، فكل حكايا الجدات التي سمعتها من هذه المناطق هي حكايات جميلة تستحق أن تُحكى وتُحوَّلَ إلى دراما لا تُضاهى وجديرة بأن يتم تسويقها ونشرها إلى العلن.
• برأيك ما الذي ميّز «حارة القبة» عن غيره من أعمال البيئة الشامية؟
أتمنى أن يكون مسلسل «حارة القبة» متميزاً، فإذا رأى المشاهدون أن هناك تميزاً فالسبب أنه تجنّب المفردات المعروفة والمتداولة في أعمال البيئة الشامية من «زعيم الحارة والعكيد»، ويمكن القول إن عُقد الصراع في مسلسل «حارة القبة» كانت عُقد صراع إنسانية على رأسها عقدة الصراع المبدئية التي تشكّلت في علاقة الحب بين «عمار وفطمة» علاقة الحب العذري البريء الذي نما وكبر على الجدار المشترك بين سطحي البيت، هذه العلاقة كانت شرارة الأحداث التي انطلقت منها عندما خرجت إلى العلن وإلى الناس، فدخلنا إلى الشيء الإنساني وابتعدنا عن مفردات «العنتريات» والاستعراض والإطالة التي كانت تقدمها أعمال البيئة الشامية.
• هل كانت المخرجة رشا شربتجي أمينة على النص الذي كتبته؟
المخرجة رشا شربتجي مبدعة كانت أمينة لكنها قدمت إضافة مهمة للنص بإدارة ذكية وعميقة للممثل وعبر كاميرا جميلة، وعندما بدأت بكتابة النص كان يتم التداول حوله بقراءة الحلقات من قبلها ومن قبل مدير الشركة هاني العشي وكان يوجد ما يمكن تسميته بورشة العمل، وتالياً تمّ البت في عمليات البدء لانطلاق التصوير عبر صيغة مشتركة تم الاتفاق عليها، والحقيقة أن المخرجة رشا شريك حقيقي في صناعة هذا المشروع مع المنتج هاني العشي، وأنا سعيد جداً بتواجدها فيه وأعتقد أنها «زعيمة حارة القبة» بلا منازع !
• وإلى أين ستذهب حكاية حارة القبة؟
** عبر الجزء الثالث الذي يتم تصويره حالياً ستظهر شخصيات جديدة، وتغادرنا شخصيات قديمة, ستذهب الحكاية إلى مكان جديد، والصراع بين الخير والشر سيكون بمكان آخر بين شخوص الحكايا، ونتمنى أن يكون جديراً بالمشاهدة .