في معرضه «إرث» .. هشام المليح يقدم تكويناته الخشبية في توازنها القلق!
من الجرأة بمكان أن يُفصح الإنسان عن إرثه ويعرضه أمام الجميع ليكون بين أيدي كل ذواقٍ إرثاً يحكي إبداع من حفظه بذاكرته ومخيلته وأحاسيسه، ويقدمه بزواياه ومسنناته وسطوحه المختلفة الملمس، داعياً كل ناظر إليه لتلقيه بخفة بصرية عبر كتل خشبية تعتمد التوازن القلق في استقرارها، ضمن صالة «زوايا» التي اختارها النّحات هشام المليح ليعرض فيها «إرثه» النحتي، معلناً فيه عن ذاته في أعمال لافتة الترتيب والتقديم والإخراج، متناولاً في معرضه «إرث» حالات تشكيلية ديناميكية واقعية الرؤى حيناً وتجريدية حيناً آخر تجسد مفهوم الـ«إرث» سلباً كان أو إيجاباً.
عن معرضه يقول الفنان النحّات هشام المليح: هذا هو معرضي الفردي الأول بعد أن كانت لي مشاركات جماعية عديدة، فأنا أعمل في النحت منذ فترة، واليوم أحسست أنه أصبح لدي خطٌّ وهوية يمكن إبرازها وعرضها على المتلقي أدباً واحتراماً للنحت وللمتلقي ولي، فكان لابدّ من تقديم شيء انتقائي يجسد هذه الهوية أو الفكرة التي اختمرت وحان الوقت لتقديمها، وأصبحت لائقة بأن تبصر النور بنظري، وقد تفاجأت يوم الافتتاح بعدد رواد المعرض من الأصدقاء والمهتمين بالفنّ والفنانين الكبار الذين شرفوني جميعهم بزيارته.
وعن أعماله المعروضة يتابع قائلاً: تنوعت الأخشاب بين الزيتون الأحبّ إلى قلبي لما له من قدسية وأخشاب الكينا، الجوز، الصنوبر، المشمش، السرو.. فقدمت 17 عملاً ضمت؛ زوايا، مسننات، كائنات بحرية، تنيناً، ثنائية رجل وامرأة.. جميعها تصور الحالة العلمية مع الفنية من حركة وميكانيك وديناميكية ما يشبه شخصيتي، أما الزوايا الحادة والمسننات التي تمثل الحركة أيضاً فكلها تشبهني بصرياً وتعني لي أكثر من الخطوط الانسيابية والرومانسية، في حين تريحني عملياً السطوح الكبيرة والزوايا الحادة فأحببت تقديمها بهوية متفردة، إضافة إلى أن الكتلة مع إنها كتلة نحتية لها وزنها البصري والفيزيائي فأحاول دائماً في أعمالي أن أجعلها خفيفة بصرياً لكل متلقٍ ضمن موضوع التوازن القلق في الكتلة بشكل عام, وهذه الكتلة القلقة في توازنها الفيزيائي تريحني بصرياً أيضاً.
الجسم يفنى والرسم يبقى!
وعن اختيار «إرث» عنواناً لمعرضه الذي يحوي عملاً حديدياً يتيماً يقول المليح :الإرث سلباً كان أو إيجاباً هو شيء حاضر وواقعي لا يذهب وهو يشبه إلى حدّ كبير النحت الذي هو شيء خاص فهو إرث في حد ذاته وواقعي وملموس لا يتغير فقد قيل: «الجسم يفنى والرسم يبقى»، والذي فرض الاسم أكثر وأكده هو العمل الحديدي الوحيد في المعرض مع إنه إرث لذكرى مؤلمة قبيحة مؤذية وسلبية لأن التفجير الإرهابي الذي حصل يوماً في أحد أحياء دمشق كان له تأثيره السلبي.. هذا هو إرث.. وقد كان لهذا العمل وقع خاص على الجمهور الذي تفاعل معه ومع الكتابة التي رافقته منها «رحل الكثير وبقي ذاك الإرث الذي يعيدنا كلما تأملنا في انحناءات وثنايا الحديد الذي لا ينكسر ولا ينصهر إلّا من حرارة دماء وأشلاء موتاه».. وقد قدمته بإخراجه النهائي بتوازنه القلق, فالمهم عندي بعد اختيار الموضوع إخراج العمل ويهمني أن يكون العمل متكاملاً في إخراجه وتقديمه وطرحه وترتيبه في الصالة لأن أي شيء يفقده يفقد معه أهميته و أي شيء يضاف يكون إيجاباً ويعطيه حقه.
التذوّق بكامل الحواس!
الفنان التشكيلي والنّحات مصطفى علي يتحدّث عن هذا المعرض فيقول: هشام المليح تجربة خاصة يقدم فيها الشرائح الخشبية بطريقة تعبيرية من خلال تجربته التجريدية معتمداً فيها على الحركة وأحياناً على «الكونتراس»، والحقيقة هي تجربة موفقة برغم أنها غير أكاديمية فقد تعلم فنّ النحت بفطرته وخبرته وجهده ونشاطه الخاص واستطاع أن يبدع فيها مقدماً أعمالاً متميزة مستخدماً الآلات الحادة القاسية الجارحة لاقتحام الكتل الخشبية وتشريحها بحرفيّة لتكون معبرة ونتذوّقها بكل حواسنا ومشاعرنا. وعن العمل الحديدي يقول: العمل الحديدي هو عمل فني نتيجة حادث معين لعبت فيه المصادفة دورها واستطاع المليح إشغال العمل الفراغي بشكل فني من خلاله.
أما الفنان التشكيلي والنحّات وسام قطرميز فيقول: الفنان هشام نحّات متميز عاصرته منذ مدة طويلة منذ بدايات عمله النحتي في مركز وليد عزت للفنون التطبيقية وكانت بداياته صحيحة مع فنّ النحت باعتماد الأسلوب الواقعي لينطلق منه إلى الأسلوب التجريدي وليمر بمراحل تطورية مدروسة جداً بالنسبة له وقد وصل إلى هذه المرحلة نتيجة ثمرة جهد طويل, وفي معرضه اليوم تناول الخشب كمادة نبيلة في أعماله بآلية صنع بها مواضيعه الساكنة وأعماله التي فيها حركة في الوقت نفسه ما يدل على خبرته وتمكّنه, فمشاركاته في الملتقيات النحتية وغيرها أضفت في الآونة الأخيرة هوية خاصة على أعماله, وهو الآن في مفترق طرق والاستمرارية ضمن دائرة واحدة لا يكفي ولابدّ له من تطوير الذات وتناول مواضيع مختلفة, وسوف نرى هشام متميزاً إقليمياً وعالمياً, وتقول الفنانة التشكيلية رجاء وبّي عن هذا المعرض: أبارك للفنان هشام بهذا المعرض فهو متفرد بأسلوبه وطريقته ونظرته، وأعماله عبارة هي حالة فلسفية لها بُعدٌ ثالث, والمعرض غني وجميل وله خصوصية تتعلق به فله نظرة وأسلوب وأبعاد فلسفية وأعماله هي عوالم انعكاس لروحه ونفسيته التي أسقطها على الواقع بطريقة جمالية وعلى مادة الخشب النبيلة الجميلة الحنون القريبة من البشر, وتالياً هشام هو الإنسان النبيل الذي يشبه الخشب بأخلاقه ونبله.. وقد عملت معه أعمالاً متعددة متحدين الظروف الصعبة وكانت أياماً ممتعة أخذنا قوتنا فيها من محبتنا للعمل وحبنا للوطن.
توازنٌ قَلِق!
في حين يقول الفنان التشكيلي معتز العمري عن هذا المعرض: واكبت تجربة هشام منذ البدايات وهو دائماً في حالة بحث فقد بدأ بالواقعي ثم دخل بالنحت التجريدي، والمعرض يعبّر عن بلوغه ذروة تجربته التجريدية التي عمل عليها، فأعماله الخشبية تدل عليه وقد وصل فيها إلى مرحلة التوازن القلق الذي يعبر عن الحالة الإنسانية محاولاً التعبير عنها بالأعمال الفنية من خلال تكويناته التي تشبه المسننات المتداخلة فهي تشبه الحياة وتركيباتها المعقدة من خلال الأعمال والخطوط والتوازنات التي يشتغلها في بعض الأعمال المسطحة ذات الملمس الناعم والتي يكسر من خلالها رِتمَ المعرض, ولكي يكون هناك تنقل لعين المشاهد في هذه الأعمال التي نرى من خلالها تجربة مهمة ومعرضاً جميلاً لفنان له مستقبل في النحت وأعمال متميزة تشكل إضافة إلى محبي الفن والإنسان.
الفنانة التشكيلية والنحّاتة صفاء وبّي قالت: هشام فنّان متفرد بأسلوبه يتعامل مع الخشب بحنان كثير ومبالغ به لدرجة أنّه لا يفرض على الخشب الشكل بل الخشب هو الذي يفرض عليه الشكل ومن هذه الناحية أحببنا التعامل معه خاصة عند حفر شجر «المنشيّة».. أخذنا منه واستفدنا من أفقه الفني الجميل جداً، وأعماله تميزت بالحنان والإحساس العميق بالخشب والتعامل معه لنحته وهذا ما يجعل أعماله متفردة ومتميزة ولا يفهم عليه إلا النحّات مثله ويستطيع أن يقرأ بين السطور أو الأعمال القصد من العمل وهو فنان نستفيد دائماً من خبرته لكونه يتعامل بحبٍّ كبير مع هذه المادة.
صرخة وجع!
الفنان التشكيلي أنور باكير يقول: فاجأني هشام اليوم بأعماله التي فيها روح وبالميكانيك الخاص فيه فنرى اليوم بصمة توحي بأشياء خاصة فيه تميزه عن غيره من الفنانين عن طريق أعماله المقدمة من خلال رؤيته، فالخشب له روح وعندما يشتغل به ينقل بأيديه الروح والإحساس كله ويجد فيه التكوين الذي يريد إظهاره بروح وميكانيكية خاصة أما العمل الحديدي فأعدّه صرخة وجع في هذا الزمان.