كورال «دير سريتينسكي» الروسي يصدح في أمسيتيه الملائكيّتين خارج الزمن!
لم يكن من العبث أبداً حين قال «جلال الدين الرومي» يوماً: إنّه «فقط من أعماق قلبك يمكنك لمس السماء»… فعندما يكون المقام في حضرة الأصوات التي تدوّن عبر حناجرها العذبة ألحاناً وأنغاماً تراقص القلوب لتطوي أحزانها وتنقلها لفترة من الزمن على أجنحة ملائكية إلى عوالم سامية تحلق عالياً لتلامس السماء في رحابها فتفضي ما بداخلها من شوائب الحياة وتشعباتها القاسية.
أمسيتان من خارج الزمن قدّمهما عشرون مرنِّماً من كورال «دير سريتينسكي» الروسي الأولى على خشبة مسرح قاعة كنيسة الصليب المقدس في القصاع، والثانية تحت رعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع المركز الثقافي الروسي في دمشق على خشبة مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، طغت على الأولى الترانيم والأناشيد في حين غلبت على الثانية الأغاني الشعبية الروسية التقليدية القديمة والأغاني الروسية العالمية.
«نيكون جيلا» قائد جوقة «دير سريتينسكي» تحدّث لـ« تشرين» عن هذه الجوقة فقال: بدايةً .. للدير قصة طويلة تقارب العديد من القرون فقد تأسس منذ حوالي 600 سنة وجوقتنا هي تكملة تاريخية لرسالة الرهبان الذين أسسوا الدير، ففي عام 917 م قامت في روسيا حملة كبيرة لإغلاق الأديرة وتم في بداية القرن العشرين إغلاق هذا الدير، وبالتالي تمّ إلغاء جميع الجوقات التي كانت تتبع له، وفي تسعينيات القرن العشرين تمت إعادة افتتاح الدير الذي أصبح تابعاً للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ورويداً رويداً أعيد تأسيس الكورالات الكنسية.. واليوم تعد هذه الجوقة جوقة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وتقوم بأداء الخدم الكنسية وترافق بطريرك موسكو وسائر روسيا في جولاته، كما وكان للجوقة الشرف بتقديم النشيد الوطني الروسي في افتتاح الألعاب الأولمبية في مدينة « سوتشي» عام 2014. وفي برنامجنا الموسيقي نقدم التراتيل والأناشيد والأغاني الشعبية والعالمية معتمدين في توزيع الأصوات على الـ« تينور» والـ« باص» وأحياناً الـ«صولو»، فأعضاء الجوقة هم من الرجال فقط من خريجي المعاهد الموسيقية واللاهوتية، وتضم الجوقة عشرين مرنماً ونسعى دائماً لتطويرها وتوسيعها وزيادة عددها.
وعن زيارتهم لسورية والبرنامج الذي يقدم يتابع قائد الجوقة قائلاً: هذه الزيارة هي زيارتنا الأولى لسورية بدعوة من وزارة الثقافة وبالتعاون مع وكالة التعاون الدولي المسؤولة عن المراكز الثقافية في كل دول العالم، ونحن سعداء بهذه الدعوة التي سنقدم خلالها أمسيتين تتضمن كل منهما شقين؛ الروحي والتراثي من خلال تراتيل وأناشيد روحانية تقليدية من أديارنا الروسية، إضافة إلى الأغاني الشعبية الفلكلورية الروسية التي تعبّر عن الفرح والأمان والاستقرار الذي نتمناه لسورية، فهي تعكس جميع المشاعر والتفاصيل والأحداث التي حصلت لشعبنا ونخلّدها بأصواتنا الرجالية بأنواعها المختلفة التي تؤدى جماعياً وإفرادياً، نذكر منها «القوة الحاضرة للسماء، ترنيمة للسيدة العذراء، كايري إليسن، المجد لله في الأعالي، أيتها البتول ابتهجي، امدحوا اسم الرب، آه هذا ليس بالمساء، لوبا أيها الأخوة لوبا، كالينكا، على تلال الإنسان، كاتيوشا، على طول بيتر سكايا، الله معنا».
أما المرنّم « بغدان دونايف» عضو في الجوقة فقال: أنا مؤدٍ للموسيقا في كورال الدير وزيارة سورية فرصة لا تعوّض بالنسبة إلي، فأنا خريج كلية لاهوتية وليس موسيقية وهي مناسبة لأجرّب نفسي كأداء موسيقي، فقد كان حلمي بعد دراستي أن أنضمّ إلى هذه الجوقة العريقة والمتميزة وأسعى للتطور في الأداء دائماً.. وأنا سعيد أيضاً بزيارتي لسورية ليس لأنها الزيارة الأولى فقط بل لأنني لست من وسط روسيا فأنا من مدينة «دوشانبي» في «طاجكستان» ومن زمن لم أزر مدينتي فذكّرتني سورية بمسقط رأسي التي تتقارب معها في العادات والتقاليد وجمال الطبيعة وحفاوة الاستقبال من شعب يحمل قيماً جمالية وأخلاقية.
يذكر أن الأمسية الأولى التي قُدمت على خشبة مسرح قاعة كنيسة الصليب المقدس في القصاع رافقها معرض بعنوان «الأديرة والرهبنة في روسيا» وضمّ 38 صورة تمثل أديرة وكنائس قديمة وحديثة في روسيا من مجموعة رسومات المتحف الحكومي لتاريخ الدين «سانت بطرسبرغ»، والتي تعكس أهمية وتأثير الأديرة على مختلف جوانب الحياة الروسية من خلال نشر صور متنوعة لرهبان ومبانٍ ومخطوطات وأيقونات ومنقوشات حجرية وأعمال فنية زخرفية تخلّد الفنّ الروسي بأكمله من هندسة معمارية ورسم وفنّ تطبيقي في أديرة فردية وجماعية ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي وحتى القرن العشرين، والذي كان الغرض من عرضها لمس الثقافة الروحية التي حضنتها الرهبنة الأرثوذكسية والأديرة الروسية على مدى القرون وطوّرت فيها تجربة الزاهدين.
تصوير: يوسف بدوي