في غياب الكهرباء .. «أزياء» أديب مخزوم تُضيء «الرّواق»!

لم يمنع انقطاع التّيار الكهربائي وانعدام وجود «اللدّات» في صالة الرّواق العربي التّابعة لاتّحاد الفنانين التّشكيليين السّوريين، جمهورَ الفنّ التّشكيلي من مشاهدة نساء الفنان والنّاقد التّشكيلي أديب مخزوم الثّمانية والأربعين اللاتي اجتمعن تحت عنوان واحد هو: «المرأة والأزياء في فضاء التّجريد».
كذلك، لم يكن تصميم الأزياء يوماً فنّاً بعيداً عن التّشكيل والدّليل هو مشاركة العديد من الفنانين التّشكيليين في تصميم الأزياء سواء في الدّراما أو المسرح أو حتّى الإعلانات، وها هو اليوم أديب مخزوم يضيف دليلاً جديداً على ذلك، منطلقاً من فكرة أنّ تصميم الأزياء فن مدهش ومذهل ويمكن لمن يمتلك الموهبة والخبرة أن يبتكر فيه كما يبتكر الفنان في مجالات الإبداع الأخرى، موضّحاً: في كلّ مناسبة كان الفرنسي الرّاحل «إيف سان لوران» أحد أشهر مصممي الأزياء في هذا العصر، يصرّح بأنّه كان يستوحي تصاميمه من لوحات بيكاسو، ومضيفاً: الابتكار يشمل القصّات والثّنيات والشّقوق والرّبطات البارعة، مثلما يشمل رسومات وألوان الزّي التي تنتمي إلى كلّ المدارس الفنية الحديثة، بحيث نستطيع أن نرى بوضوح تأثيرات الحداثة الفنية على أزياء النّساء والرّجال على حدّ سواء، فإذا نظرنا إلى لباس فتاة نرى ذلك الغناء اللوني العام أو نرى مجموعة من الحركات أو البقع اللونية الصّريحة والزّاهية والتي تترك في القلب فسحة إعجاب ودهشة وتذكّرنا بلوحات كبار فناني الحداثة التّشكيلية العالمية، والتّركيز على الأقمشة التي تتميز بعفوية رسوماتها وألوانها، يمثّل الاهتمام الأكبر ‏لدى خبراء الأزياء العالمية بعد أن دخلت التّشكيلات التّجريدية بألوانها الغنية في قطع الملابس حيث تبدو الموديلات الحديثة بخطوطها وبألوانها كأنّها لوحات فنية تشكيلية مقتطفة من جميع مدارس الفنّ الحديث، بدءاً من الرّسم الواقعي والتّعبيري ووصولاً إلى أقصى حالات التّجريد اللوني العفوي والتلقائي.‏
وفي معرضه الفردي الجديد، يحمّل مخزوم لوحاته خلاصة ثقافة تشكيلية كرّس سنوات طويلة من عمره لها في كتاباته النّقدية، ومخزوناً من ذاكرته البعيدة في مدينة طفولته طرطوس، حيث البحر والسّهل والجبل والطّبيعة المتنوّعة بألوانها وزهورها التي احتضنتها نساؤه في معظم اللوحات إضافةً إلى ألوان أزيائهن العصرية البهية التي تزيد الأنوثةَ أنوثةً والحياة فرحاً، معتمداً على الأنثى الرّشيقة كما لو أنّنا في عرض أزياء واقعي، ومعلناً بذلك نهاية مرحلة الكآبة والحزن التي سادت على لوحاته ومعارضه في السّنوات السّابقة بسبب الحرب ومنعكساتها.
وعلى الرّغم من تخصيص الحيّز الأكبر للمرأة والأزياء، يطّعم مخزوم معرضه بلوحات يجسّد فيها فنّاً راقياً اشتغل من أجل سنوات طوال أيضاً، وجمع ما جمع من تسجيلات ولديه ما لديه من صور ومراجع في هذا المجال ألا وهو الموسيقا، فنرى لوحة عازفة التشيللو، ومن ثمّ لوحة العازفين التي يجسّد فيها مايسترو يقود فرقة موسيقية أوركسترالية كاملة أفرادها موزّعون على معظم الآلات الموسيقية، ويعود مجدداً إلى الذاكرة البعيدة حيث الطيور في أقفاصها لكنه اليوم يحررها ويعيد لها حقّها في الحياة، وإلى جوارها تستريح وردة جميلة يمزج ألوانها كما فعل بها المطر ذات يوم حين حررها من ألوانها وانسالت على الحجارة في مشهد من شدّة جماله يقترب من الخيالية، يقول مخزوم: هذه اللوحة منجزة بصياغة واقعية وتجريدية، ولهذه اللوحة قصّة حقيقية، ففي قريتي كانت عندي نبتة ممددة على الجدار، وحين كان يتساقط المطر عليها، كانت ألوان زهورها تنحلُّ وتسيلُ على الجدار من الأعلى إلى الأسفل، مشكّلةً بذلك لوحة تجريدية ساحرة.
يعرض أديب مخزوم لوحاته هذه للمرّة الأولى، وخلافاً لمعايير
الـ«موديل» يعطيها قياسات مختلفة (كبير- متوسط -وصغير) ويحرص على وجوده الدّائم ليكون رفيق المهتمين والمتخصصين والإعلاميين حتّى انتهاء المعرض مساء الأربعاء القادم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار