مسلسل “ضيوف على الحب”.. شخصيات تقليدية ومبسترة اجتماعياً
صحيح أن ما يسمى بالعرض الرمضاني للدراما بدأ يتفكك، إذ عمدت بعض الفضائيات إلى اللحاق ببعض المنصات الإلكترونية، وبدأت بعرض بعض الأعمال الجديدة، ومن دون أن تنتظر موسم رمضان القادم، لكننا في سورية لم نستفد من كسر أو تفكيك هذا التقليد بسبب الانقطاع الطويل للكهرباء، فنمضي بين حين وآخر، لمشاهدة ما نجده على الإنترنت وقد فاتنا مشاهدته في رمضان المنصرم، ومنه مسلسل “ضيوف على الحب” الذي حاول جاهداً كاتبه سامر محمد إسماعيل ومخرجه فهد ميري أن يكون عملاّ ينتمي للآن، مع إننا لم نلحظ ذلك في خلفية الأحداث إلاّ لماماً، فالإشارة الزمنية غير كافية، وكل ما شاهدناه يمكن أن يحدث خارج الآن في سنوات الحرب على سورية، فهل يكفي أن تفكر شخصيةٌ ما بالسفر، وإشارة في مشهد لشخصية أخرى تعمل خارج القوانين وتتواصل مع الإرهابيين في الحرب على سورية، لكي يكون ربط أحداث المسلسل بـ”الآن” كافياً؟ إذ إن كل ما مرت به الشخصيات، مرت بها شخصيات مشابهة في أزمان سابقة ومتكررة، ويمكن أن تمر بها في أوقات لاحقة.
تكرار فضاء مكاني!
انطلقت أحداث المسلسل، مكررةً الفضاء المكاني، بيت دمشقي قديم، الذي جرت فيه أحداث مسلسل “فسحة سماوية” (عرض عام 2005 للكاتبة د. مي الرحبي والمخرج سيف الدين سبيعي) والذي كانت تملكه السيدة “أم فواز/ منى واصف”. انطلقت تعرض مسار شخصياته الثماني الذين يسكنون البيت والذي تملكه “صباح/ شكران مرتجى”، من دون أي خصوصية زمنية، فالمسلسل عرض قصصَ الحب التي أخفقت لأسباب متكررة وتقليدية، سبق طرحها في الدراما ولا جديد في معظمها، وهي القصص التي جمعت الممرضة “رغد/ جيني إسبر” بالطبيب (جسّدهُ/فادي صبيح”، ومضيفة المطعم “نورا/ رنا العضم” بالمغني “زهير/ عاصم حواط”، والصحفية “لارا/ خلود عيسى” بالمحامي المتدرب “رامي/ علي سكّر”، والطالبة “سيرين/ هبة زهرة” بالمهندس “جهاد/ بلال مارتيني”، و العاملَين في السياحة” نورس/ كرم شعراني” بـ “منال/ رنا كرم”. ومن بين هؤلاء فقط المغني والطبيب لا يسكنان في بيت صباح، ولاحظنا فشل علاقاتهم العاطفية التي لا جديد فيها وبعضها غير مقنع، ولذلك من حقنا كمشاهدين أن نسأل: أين كان أهل الطبيب عندما عقد قرانه على الممرضة؟ ولماذا لم يعترضا قبل ذلك على مسألة الفوارق الاجتماعية التي بينهما، والتي ستظل قائمة في مجتمعاتنا إلى ما لا نعلم؟.
ما يعني أن انفصالهما يبدو ضعيفاً من الناحية الدرامية، تماماً كالصراع الذي نما بين المضيفة والمغني، ما إن قرر السفر والعمل خارج البلاد، رغم حلمهما بأن يعمل خارج المطعم ليستطيع تأمين مستقبله والزواج منها، إذ اشتعلت غيرتها من دون أي تصرف من قبل حبيبها يحرك هذه الغيرة.! ناهيك برسم شخصية المغني بشكل خشبي جداً فهل يعقل أن يغني المرء أغاني تتناول موضوعات تجعل قلوب مستمعيها تصاب بالكآبة، تناسب المسارح فقط، لما فيها من أصول للطرب، رغم أن خزانة الإبداع الموسيقي عامرة بألوان كثيرة، ومنها الأغنية التي غناها في حلمه لسيد مكاوي “ليلة مبارح “؟. الشخصية مرسومة وفق ما يريد الكاتب لا وفق منطقها وخبرتها في الغناء، بدليل أنه بكلمة واحدة استطاع “جهاد/ بلال مارتيني” أن يقنعه بالتحول وغناء “الراب” ليصبح نجماً من أول أغنية، وهذه مهزلة أخرى في مسار الشخصية!
مالك لا مدير!
ونشير إلى أن الغناء في المطاعم ليس وليد سنوات الحرب على سورية، ولا استقطاب الأصوات التي لا تحسن سوى خلق محفزات للرقص، هي وليدة اليوم، ناهيك بأن الكاتب خلط بين الملهى الليلي وبين المطعم العائلي الذي لا يستقطب في أعمّه الأغلب ما حدث في المسلسل، ولا تحدث فيه السلوكيات غير الأخلاقية التي شاهدناها بحدثين متباعدين، لأجل تعزيز سطوة شخصية (نزار بيك/ زهير رمضان).
كما خلط الكاتب بين شخصية مالك المطعم ومديره، فلا أعتقد أن مالكاً ” مأمون/ أسامة السيد يوسف” لمثل المطعم الذي شاهدناه في المسلسل يرضى أن يخدّم طاولة أي زبون مهما كان من السطوة أو النفوذ، فقد يشرف على ضيافته وخدمة طاولته، لكن لا يصبح صبياً من صبيان “نزار بيك”.! فصاحب المال هو من يستقطب صاحب السطوة، ثم يصبحان شركاء هكذا هي القاعدة. نقول شركاء، إذاً فلا يخدم الأول الثاني، ولم يكن مصير الشخصيات الأخرى بأفضل حال، فمن غير المقنع أن يعمل “نورس/ كرم شعراني” بشكل غير قانوني مع “نزار بيك” لكسب المزيد من المال، وهو الذي ورث عن أبيه مالاً وفيراً واحتفظ بحصة شقيقه وقدمها له حينما كلف بمهمة في لبنان! ومن بينها تقديم حبيبة قلبه ليلعب بها “نزار بيك” كما يشاء ويورطها بما لا يليق بها وبحبيبها، فلو أنه فعل ذلك تحت وطأة حاجته للمال لكنا اقتنعنا كمشاهدين، ولذلك من حقنا أن نسأل: أين المبررات الدرامية التي دفعته لذلك، ولا سيما أنه رسم مشهد القبض عليه في الطريق إلى لبنان بشكل مضحك، إذ يعرفه العنصر ويلقي القبض عليه من قبل أن يسأله عن هويته. فهل ارتُجِل المشهد خلال التصوير فجاء هزيلاً؟!
والإشارة ذاتها لشخصية ابن ” توفيق/ جرجس جبارة” التي جسّدها ” كناز سالم” فلماذا سافر إلى أمريكا مادام والده غنياً، ولم يبقَ بجانبه حرصاً على ثروته، ولم يعد إلاّ قبل فترة قصيرة من وفاة والده، ليتشاجر مع زوجة أبيه، ثم يسامحها ببساطة قبل أن يسافر رغم أنه اتهمها بقتله؟! ناهيك بلا منطقية العلاقة بين شخصيتي “جهاد، ومنال” إذ كيف يمكن للإنسان ببساطة أن يتزوج المرأة التي كانت ستصبح زوجة شقيقه، من دون أي مونولوج نسمعه من الشخصيتين يعبّر عن حيرتهما بهذه الخطوة أو ارتباكهما؟! وكأننا بشخصيات المسلسل تجسّد مقولة ” سمك، لبن، تمر هندي”!
والأهم من كل ما سبق، لم يقدم الكاتب لنا لماذا غابت العدالة عن الاقتصاص طوال أحداث المسلسل من شخصية “نزار بيك”، ولم تستفق سوى في نهاية الحلقة الثلاثين؟ فلم ينتبه الكاتب إلى الفرق في الزمن الدرامي بين الفيلم السينمائي أو العرض المسرحي وبين المسلسل التلفزيوني؟ كما أنه في صلب المشكلة ذاتها قدم معظم الشخصيات مبتورة اجتماعياً، كما قد نشاهدها في فيلم سينمائي زمنه الدرامي أسبوع أو شهر، فهل كل شخصيات المسلسل لا أهل لها ومقطوعة من شجرة، فقط شخصية المضيفة “نورا/ رنا العضم” تواصلت مع أمها بالهاتف، حسناً كان بالإمكان تجاوز هذه المشكلة لبقية الشخصيات بالطريقة ذاتها، فهل يعقل لشخص درس/ت الحقوق أو الهندسة أو الصحافة لا قريب/ة له أو صديق/ة؟ كيف سنتفاعل مع هذه الشخصيات ونتعاطف معها إيجاباً أو سلباً، وهل من المعقول أن تتزوج شخصية الممرضة مرتين من دون أن نرى أحد أفراد عائلتها أو أن تتواصل معه بالهاتف؟! وكذلك الحال مع المحامية ” ميرفت/ هيمى إسماعيل”، هل في عادتنا وتقاليدنا أن تتزوج المرأة من دون علم ذويها؟ لا يمكن من دون مسوّغات.
وثمة مشاكل في الزمن بين المشاهد في بعض الحلقات، لم يستطع ضبطه الكاتب بين مشهد والذي يليه، كما توجد حوارات ضعيفة للشخصيات، لا تعبر كما يجب عن رد فعلها. نذكر منها تكليف مدير مكتب الخدمات الإعلامية “حيان/ وضاح حلوم” للصحفية ” لارا” بمهمة حضور معرض فن تشكيلي وإعداد تقرير عنه، فترد عليه “والله فاجأتني يا أستاذ” فهل هو طلب يدها للزواج لترد عليه هكذا، ماذا تنتظر الصحفية من مديرها غير تكليفها بمهمة عمل؟
ليس أخيراً
من جهة التمثيل كان جميع من شارك يعطي بشكل صحيح مجسداً أبعاد الشخصيات فنياً وفكرياً وشعورياً ما عدا الفنان زهير رمضان الذي تظهر لديه ملامح شخصية أبو جودت من باب الحارة رغم أنه يفترض أن يكون حازماً مع الجميع، وكذلك الفنانة شكران مرتجى كانت تلقي أغلب الحوار من دون إحساس، ما إن تقول الشخصية مقابلها جملتها الحوارية. وفي المسلسل أخطاء أخرى متفرقة، على مدار معظم الحلقات.