توهب كتبها لمن يقرأ .. هيلانة عطا الله: لا أقبل أن يقال إنني بعتُ الفكر والأدب
«أصدقائي الأعزّاء .. لديّ مجموعة من الكتب يتجاوز عددها الثلاثة آلاف كتاب، أرغب بتقديمها هدايا لمن لديه رغبة في القراءة واقتناء الكتب، فمن يرغب أرجو التواصل معي على الخاص»، بهذه الكلمات أعلنت الشّاعرة هيلانة عطا الله عن عرضها ما تبقى من مكتبتها الخاصّة للأصدقاء وغير الأصدقاء عبر صفحتها على شبكة التّواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تقول عطا الله: منذ نعومة أظفاري وأنا مولعة بالمطالعة كثيراً، وهكذا صارت لديّ مكتبةٌ ضخمةٌ جداً، لكن مع الأسف خسرت قسماً كبيراً منها في منطقة عين ترما حين دنسها الإرهاب، وبقي في مكتبتي حوالي الثّلاثة آلاف كتاب، وأمّا موضوعاتها فمتنوّعة ومعظمها في القصّة والشّعر والرّواية، إضافةً إلى دراسات نقديّة وأبحاث لغوية وكتب مترجمة عن روايات ودراسات عالمية، كذلك هناك بعض الدّراسات ولاسيّما فيما يتعلّق بالتّاريخ السّياسي في سورية، وهناك أبحاث لها علاقة بالعروبة والوحدة العربية والقومية العربية والتّنظير السيسيولوجي، وهناك أبحاث عالجت قضايا العصر الحالية وقضايا النّظام العالمي الحالي الذي على ما يبدو أثبت فشله في تحقيق العدالة للشّعوب وكرامة الإنسان بشكلٍ عام.
وتبيّن عطا الله: لقد عرضت مكتبتي للعموم وبعد سويعات قليلة من إعلاني عبر صفحتي الشّخصية على الـ”فيسبوك” تواكبت الاتّصالات ومن جهات عديدة، أفراداً وأشخاصاً وبعض المؤسسات الأهلية والرّسميّة ومضت ساعات وحجزت أكثر من ألف كتاب لهم، ومن ثمّ توقّفت لكي أخصص ما تبقّى، حيث قدمت ألف كتاب هديةً للمكتبة الرّيفية التي أقامها اتّحاد الكتّاب العرب في بلدة (جباب) في محافظة درعا لتسهيل وصول الكتاب إلى المواطنين، وشعرت من واجبي المساهمة بحدود إمكاناتي ولاسيّما أنّ مجتمعنا تعرّض لخدوش وربّما تشّوه أخلاقي ونفسي وثقافي وفكري، ونضيف هنا أمراً مهماً وهو أنّ معركتنا مع التنظيمات الإرهابية في الأساس كانت ثقافيةً قبل أن تتحوّل إلى الميدان قبل سنوات عشر عجاف، فعانينا ما عنيناه من إرهاب، لذلك إن أردنا إعادة الإعمار يجب أن نبدأ من إعادة تأهيل الإنسان وتسليحه بالفكر الحضاري وبفكرة الولاء للوطن لأنّ الولاء للوطن يجمع وأي ولاء آخر يفرّق ولاسيّما جيل الشّباب الذي اثّرت الحرب على سورية وما صاحبها من آثار نفسية واقتصادية وغيرها في نفسيته، إضافةً إلى أنّ الحالة العامة تفرض علينا أن نراعي هذه النّقطة في شتّى الوسائل، فلا يكفي الإعلام ولا تكفي المدرسة وإنّما على المنظمات أن تتصدّى لدورها في هذا المجال واتّحاد الكتّاب العرب يعدّ جهة من هذه الجهات والمنظّمات الأهلية أكثر منها رسمية.. ونحن بحاجة ماسّة لتثقيف الشّباب ليس فقط بشكل موضوعي ومنطقي بل حتّى بشكلٍ روحي وشعوري ومن كوني شاعرة من واجبي إيصال الكتاب إلى يد الشّباب بطريقة لاتكلّفهم الكثير في ظلّ الضّائقة الاقتصادية، ربّما يكون لهذه المبادرة تأثير كبير في إعادة الألق للكتاب ويتمكّن الشّباب من الاطّلاع على شتى أنواع الفكر والثّقافة والأدب وما إلى هنالك.. أيضاً من خلال الكتاب نحن نرفد جيل الشّباب بمعانٍ روحية ترمّم الخدوش النّفسية لديهم وترفدهم بالجمال والبحث عن الجمال وتنمّي لديهم هذه الملكات الخلاقة والإقبال على الحياة بهذه الرّوح المتفائلة وليس بالتّوجهات العدمية والمأسوية ولاسيّما أنّنا بدأنا نسمع بحالات غريبة ومستهجنة في مجتمعنا مثل الانتحار في صفوف الشّباب لذلك يجب تسليحهم بالتّمسّك بالحياة من خلال بناء شخصيتهم، أنا أشبّه الحالة بأنّنا قد بذرنا الأرض الطيبة بالقمح، والقمح في حدّ ذاته حياة.
ثلاثة آلاف كتاب متنوعة المواضيع وكذلك متفاوتة السّعر، لكن تبقى القيمة المعنوية لها وللمبادرة هي الأكثر أهمية تقول عطاالله: لا أخفي عليك هناك قسم كبير من أصدقاء صفحتي وأصدقائي في الحياة يعرفون مكتبتي واستعانوا بها كمراجع في دراساتهم ويعرفون قيمة ما فيها من مجلّدات ونصحوني بأن أبيعها، فقلت: والله لا أقبل أن يقال يوماً إنّ هيلانة باعت الكتب والفكر والأدب.. ربّما أبيع أي شيء آخر أمّا الكتاب فيجب ألّا يوضع في غاية المادة..غايتي أسمى من ذلك بكثير لذلك ساهمت بما لديّ من إمكانات وبما يثلج الصّدر، بعض أصدقائي ممن هم في دول عربية وأجنبية سألوني عن محتويات المكتبة وتمنّوا لو تصلهم هذه الكتب حتى إنّ البعض له زيارة قريبة رجاني أن أحجز له قسماً من الكتب ضمن عناوين محددة وهذا ما قمت به فعلاً، وهناك بعض المراكز الثّقافية طلبت منّي رفدها بقسم منها وفعلت ذلك.. في مدينة النّبك وهناك الزّميلة ليلى صعب مديرة المركز الثّقافي في الميدان طلبت منّي أن أساهم برفد مكتبة المركز ببعض هذه الكتب، مضيفةً: بعض الأصدقاء سألوني كيف تمكنّت من أن يخرج كتاب من مكتبتك ونحن نعرف مدى التصاقك بها وربّما تعنيك أكثر من أي أمرٍّ آخر، وهذه فعلاً حقيقة فقلت لهم: أرسلت أبنائي لتتبناهم أمّهات أخريات وهم أحرص منّي على هذا الكتاب ولكي تصدّر هذه الأمّهات هذه الكتاب إلى أبناء آخرين يكونون إخوةً لهذه الكتب.