هناك التباس بين مصطلحي الحكاية والرواية، ناشئ عن الترادف القائم داخل الطيف الواسع لدلالتي الكلمتين، قبل انتقال الدلالة من الحقل المعجمي إلى الحقل الاصطلاحي المستعمل على نطاق واسع في المجالين النقدي والأكاديمي؛ الحكاية موجودة في حياتنا قبل أن يتعلّم الرضيع الكلام، إذ تكون هدهدة النوم للطفل بمنزلة الحكاية، ثم تكون الأنساق الشفهية المستعملة في تشجيعه على تعلّم النطق، وتركيب الجمل بمنزلة الحكاية الأكثر تطوّراً وتعقيداً من سابقاتها، وصولاً إلى ما تسمّيه الباحثة الفرنسية مارت روبير (أصول الرواية) القائمة بالقوّة في (رواية الأصول) بمعنى؛ إنّ لكلّ فرد عاقل حكاية تروي قصّة قدومه إلى الحياة، مقرونة بقصّة عائلته المحبوكة ضمن سرديّتها الخاصّة، بحيث لا يوجد أحد معرّى من حكايته الشخصية والعائلية، بغضّ النظر عن طبيعة كلّ عائلة ومستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
الرواية بوصفها نصّاً أدبيّاً محدّداً بين غلافين، تعطفه الباحثة على أصوله الشفوية الأولى في عالم الطفولة الذي تجعله مدرسة التحليل النفسي بمنزلة الطريق الإجباري الذي تسلكه الشخصية الإنسانية في المتاح الباقي من عمرها المتحدّد بموعد الموت، وهذه الأطروحة المعتمدة في إطار التحليل النفسي لاتزال مثار كثير من الشكوك الرصينة، مهما سعى مؤسسوها ومناصروها إلى إدراجها في سياق العلم التجريبي، والمشكلة الأساس التي يجري تلمّسها في الرواية الفنّية المتأسّسة على (رواية الأصول) أنّ البشر جميعاً لديهم روايات أصول، لكنّ القليلين جدّاً هم الذين استطاعوا إنتاج روايات.
بعض المشكلات القائمة في الإنتاج الروائي العربي قائم على استسهال كتابة الرواية إلى حدّ مسفّ في الابتذال، وبعض هذا الاستسهال قائم أيضاً في المماهاة بين الحكاية والرواية، إذ يقع في خلد هؤلاء أن الحكاية هي الرواية، أو هي القصة القصيرة، أو غيرها من الأشكال الفنية المنتمية إلى (السرديات) بدلالتها الواسعة. ونعاين في أمثلة كثيرة من التجارب الروائية الحديثة أن الرواية ليست أكثر من تجميع حسابي لعدد من الحكايات المتناثرة التي يمكن أن يجمع بينها مكان واحد، كالمدينة أو الحي، أو القرية، أو الصحراء، أو الغابة، وغيرها، أو يجمعها موضوع ما كالكفاح ضد الفقر أو القوّة العسكرية المحتلّة أو الأوضاع الاجتماعية المزرية وما شابه ذلك. غير أن المهم في هذه الالتفاتة هو ضرورة التفريق الحاسم بين الحكاية والرواية، وضرورة امتناع كتّاب الرواية العربية المعاصرة، وكاتباتها على سبيل المزيد من التخصيص، عن اللجوء إلى استسهال كتابة الرواية، والامتناع المسؤول عن جعل التجميع الحسابي للحكايات المتداولة سبيلاً لإنتاج الرواية.