التوثيق بين الجهد البحثي والإبداع الأدبي “القدس المحتلة أنموذجاً”

“التّوثيق بين الجهد البحثي والإبداع الأدبي ـ القدس أنموذجاَ” عنوان النّدوة الّتي أقامها الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيين بالتّعاون مع وزارة الثّقافة في قاعة المحاضرات الرئيسة بمكتبة الأسد والتي استهلها النّاقد أحمد هلال بالقول: من أجل القدس المحتلة ننطلق اليوم لدلالات التّوثيق وما تشكّله من سياق مضاد لمحاولات تهوديها وتغيير ملامحها الحضارية والإنسانية وشكّل من أشكال المقاومة الثقافية عبر البحث المنهج والمضارعة بالجهود وبثوابت التاريخ والجغرافيا عبر الفن والإبداع بمختلف أجناسه، والبحث المنهجي هو تأسيس للقدس وفلسطين المحتلة في الوعي تجذّراً وانتماءً وخصوصيةً ويبقى المكان شاهداً على كبر الحقائق، ولا يخفى على أحد أهمية التّوثيق في المقارعة الوجودية والحضارية.
وفي تقديمها لكتاب “القدس.. مدينة السّلام” لمؤلّفه دارم طباع، قالت الشّاعرة سمر تغلبي: التّوثيق ذاكرة وطن باقٍ وخط دفاعٍ ذكيٍّ عن الثّوابت القومية والوطنية في الوعي السّوري الأصيل والعربي الأصيل.. أن نكتب عن القدس المحتلة فنحن نقاوم وأن نقاوم فنحن منتصرين عاجلاً أم آجلاً.. وفي حديثه عن أهمية هذا الكتاب وسبب كتابته، يبوح الدّكتور طبّاع: لهذا الكتاب قصّة، في عام 2008 أعلنت دمشق عاصمة للثّقافة العربية، فجمعت كل مافي ذاكرتي وأخذت عدداً من الكتب الّتي أحبّها ودخلت في رحلة إلى دمشق التي حملت روح الحضارة إلى العالم، وفي العام الذي يليه أعلنت القدس عاصمةً للثّقافة العربية، وقلت في نفسي نتيجة احتلالها لم يزرها أحد، وبحثت في الكتب لكنّي لم أجدها ووجدت فقط الصّراع العربي ـ الإسرائيلي، ولم أقرأ أي كتاب يتحدّث عن أحياء القدس المحتلة ولماذا تعدّ هذه الأرض أرضاً مقدّسةً، ولم يعرف عنها أحد ما يجب أن يعرفه على الرّغم من أنّ الشّعراء تغنّوا بها، وبحثت عن الكتب القديمة التي تصف النّاس والبيوت والكنائس والتّآخي والمأكولات، فوجدت الكثير من الوثائق وبثثت فيها شيئاً من روحي وهو الإبداع الأدبي وأخذت أزّين به بعض الصّفحات، وفي آخر الكتاب كانت العبرة التي أحببت أن تكون.. إنّها رحلة من نوعٍ خاصّ .. هي رحلة الإنسان إلى أخيه الإنسان، للأسف كلّ ما يحصل اليوم في القدس المحتلة ونحن لا نتعلّم وننساها من الخريطة.
وفي حديثه عن القدس المحتلة في الرّواية العربية، يبيّن الصّحفي عمر جمعة: هناك غياب للكتب التّاريخية والرّواية التي تتحدّث عن فلسطين غائبة عن مدينة القدس المحتلة ، في 11 أيلول 1917 عندما دخل الجنرال اللنبي وطلب من وزارة المستعمرات أن تبني المدارس وتؤسس الصّحف وقال يومها: يجب أن نهيئ النّخب في هذه المنطقة من كتّاب وإعلاميين كي يحملوا هذا الفكر الذي يسلّم بكلّ ماهو موجود، اليوم هناك الكثير ممّن يسلم باقتسام القدس المحتلة وهذا خلل في الوعي، وهناك من يقول بأنّ الفكر الصّهيوني أدب مسالم وهذا يعني خللاً، نحن نستغرب في ظل محاربة الرّواية الفلسطينية عن أهمية القدس المحتلة ومكانتها هناك اليوم من يحتفي بالرّواية الصّهيونية ويترجمها إلى العربية، كمعرض الكتاب في الرّياض عام 2010 الذي احتفى بالرّواية الصّهيونية “أسطورة عن الحب والظّلام” التي تقول إنّه على الرّوائي الصّهيوني أن ينشئ ذاكرة في بلد لا ذاكرة فيها، وفي رواية “سيرة ذاتية” للصّهيوني عاموس يقول: يكشف قصة أسرتي ولأنّها أيضاً قصّة ميلاد “إسرائيل” وللأسف يحتفل برواية إيلي عامير في عام 2007 التي يتحدث فيها الصّهيوني عن قصّة حبّ بين نوري اليهودي العراقي وياسمين الفلسطينية ويتحدّث عن بنية اجتماعية مختلقة طرفها يهودي وعربي موجود في المكان، وهناك من يقتنع بأنّ كلّ هذا التّزييف منذ 1948 وحتّى اليوم بأنّها حقائق، حتى حين يمنح الكاتب الصّهيوني جائزة نوبل للسّلام، كأن تنادي شاعرة تقيم في القاهرة بوجود سلم بين العرب والصّهاينة فهذا أمر خطير جداً، ربّما أعترف بها لأنّها موجودة في بلد عربي، لكن لايمكنني أن أعترف بها وهي في الأراضي المحتلة.
ويضيف جمعة: ما كتب عن القدس في الرّواية العربية قليل جدّاً، أوّلها كان رواية فرح أنطون في عام 1904، ولا يوجد جهد نقدي بل هو قليل جداً في هذا المجال، النّاقد حسن عليان وضع كتاب “القدس الواقع والتّاريخ في الرّواية العربية” لكنّ الاستنتاجات تشير إلى وجود مئتي رواية صهيونية تدافع عن الزّيف وصُدّرت إلى العالم مقابل أقل من خمسين رواية كتبت عن القدس المحتلة ، أوّل رواية بعد عام 1967 كانت “الكابوس” لأمين شمّاع ويستعيد قرية من قرى القدس المحتلة ويكتب عن الغرباء الذين احتّلوا الأرض، والرّواية الفلسطينية دائماً تذكر القدس المحتلة في دلالة إلى أهميتها والأمل بالعودة مثل تجربة جبرا إبراهيم جبرا التي صدرت عام 1960 لكنّه استشعر خطر احتلال القدس، عربياً نحن مقصّرون لكن المطلوب من المؤسسات الثّقافية جميعها أن تنتبه إلى خطورة الأمر.

ويوضّح جمعة أنّ مايميز الرّوايات على اختلاف مراحل إصدارها وكتابتها هي أنّها تجسّد المكان والشّخوص والحياة اليومية للمقدسيين وهناك من لجأ في روايته إلى السّرد السّيري ورواية تاريخ المدينة من الدّاخل وماتعرّضت له من تغيير في معالمها وهدم المنازل والبساتين وصولاً إلى سياسة التّهويد، وهناك من صور مرارة المنفى بعد احتلال المدينة واللجوء والحنين إليها والأمل بالعودة، وهناك من تحدّث عن قصص الحبّ.
بدوره، يتحدّث الدّكتور طبّاع عن أهميّة التّراث في حفظ ذاكرة المكان، فيقول: كان لدي صديق في إيطاليا دعاني إلى بيته فاستقبلتني سيدة ترتدي الزي الفلسطيني وتتكلّم اللهجة الفلسطينية، منزل مليء باللوحات الفلسطينية وظننت أنّه متزوّج من فلسطينية فقال لي: زوجتي دكتورة إيطالية وتعيش في فلسطين المحتلة وهي رئيسة الجمعية الفلسطينية ـ الإيطالية، أنا وثّقت بهذا مرحلة من مراحل تاريخ فلسطين المحتلة وهو المرأة الفلسطينية وصراعها وتحمّلها مشاق الحرب ونحن مقصرون معها.. لولا التّوثيق لضاع تاريخنا بالكامل واليوم الصّهاينة يحاولون تغيير التّاريخ في القدس المحتلة وفي أماكن أخرى وإزالة معالمها لذلك يجب توثيق كل مايخصّها، للأسف هناك صور كثيرة حصلت عليها من متاحف غربية وهذا أمر مؤسف جدّاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار