مؤسساً دعائمه على «الصخرة».. انطلاق معهد التراث والمهن
تعدّ الحِرف التقليدية اليدوية التراثية التي اشتهرت بها دمشق إرثاً تاريخياً وحضارياً ومعرفياً وثقافياً, فاقترن اسمها بعراقة المدينة وأسواقها وبنيانها المتماسك داخل سورها المنيع فكان انطلاق معهد «التراث والمهن» فيها في أحد بيوتها المعشقة بعبق التاريخ مسنداً دعائمه على جمعية الصخرة التي قامت بتأهيله ليصبح لائقاً باستقبال من يرغب في كسب قوته بشرفه وعرق جبينه من خلال تعلم المهن التراثية للحفاظ عليها ومنعها من الاندثار كصناعة العجمي والصابون، و البروكار الذي تختص دمشق بصناعته منذ أكثر من ثلاثة قرون حتى ارتبط اسمها باسم هذا القماش الملكي «داماسك» هذه الجمعية التي انطلقت من قناعتها أن مستقبل السوريين يقوم على بقائهم وتجذرهم في قراهم ومدنهم ضمن سورية التي تضم جميع أبنائها ولا تفرق بينهم وتضم أكبر شريحة من المجتمع على أن تحمل هواجس وهموم السوريين في الوطن وامتدادهم في دول المهجر.
السيدة ندين صائغ رئيسة مجلس إدارة جمعية الصخرة ومن المؤسسين تقول: منذ تأسيس الجمعية عام ٢٠١٤ ونحن نحاول تطويرها يوماً بعد يوم لتحقيق أهدافها في التعليم والتنمية والاهتمام بالتراث والمشاريع الصغيرة وصناعة الصابون وتم تشغيل سيدات في تحضير «المونة» ومشينا في خط التراث وتم التنسيق مع جمعية «L’Oeuvre d’Orient» الفرنسية بعد أن أحبوا الفكرة المتعلقة بالتراث والأشياء الشرقية فتم اختيار البروكار الذي تشتهر به دمشق وبدأت الفكرة وبمساعدتهم استطعنا أن نقوم بالمشروع ليرى النور مع مشغل للخياطة كي يكون المشروع كاملاً.. وكانت الجمعية الفرنسية قد موّلت لنا سابقاً مشروع الصابون, وقد رأوا نتيجة عملنا وما وصلنا إليه في تطوير منتجاتنا، إضافة إلى مساهمتها في ترميم هذا البيت الذي أصبح مقراً لجمعيتنا التي نجني بعضاً من ثمار أعمالها وتستمر بجهود الجميع.
السيد راجي قبوات أمين سر مجلس إدارة الجمعية تحدث قائلاً: إن هذا المكان العابق برائحة التاريخ يتحدث وحده عن دمشق أقدم عاصمة في التاريخ, والتي توالت عليها الحضارات المختلفة وبقيت صامدة في وجه المحن, وهذا البيت الذي يجمعنا اليوم أكبر دليل على ذلك فها هو اليوم وبمكرمة مباركة من السيد الرئيس بشار الأسد وبهمة محبي دمشق قد عاد إلى سابق عهده. وانطلاقاً من إيماننا كجمعية بأن الانتماء السوري هو روح وجسد كان تركيزنا على موضوع ضرورة الحفاظ على إرث سورية الحضاري من خلال المهن التي اشتهرت بها على مرّ العصور، فكان مشروع البروكار الذي يحتوي على أحد النولين اليدويين الوحيدين المتبقين في دمشق والذي سيؤمن فرص عمل مع مشروع صناعة الصابون اللذين أقيما بدعم من الجمعية الفرنسية وسنبدأ بمشروع العجمي قريباً.. ومن خلال «تشرين» أتوجه بالشكر لكل من ساهم وساعد لترى مشاريعنا النور آملين أن يكون هذا المقر الجديد نقطة انطلاق جديدة لجمعيتنا مع تضافر جميع الجهود لبناء مستقبل مشرق لبلدنا على أسس راسخة محققين شعار جمعيتنا: «على هذه الصخرة أبني وطني».
أما السيدة نهال السمان بشارة عضو في مجلس إدارة الجمعية فتقول: كان هذا المنزل الذي أصبح مقراً لجمعيتنا مهملاً ورأينا أن مهناً كثيرة آيلة للاندثار، وعزف الكثيرون عنها لعدم جدواها الاقتصادية ولم يعد يوجد اهتمام بها ولم تعد تنتقل بشكل صحيح من شيخ الكار.. فجاءت الفكرة وتم ترميم البيت وإعادة تأهيله على الطريقة الدمشقية للمحافظة على أصالته وتم تخصيص كل غرفة لحرفة دمشقية بغية إحيائها والمحافظة عليها، وكنا قد بدأنا سابقاً بصناعة صابون الغار وهي صناعة تقليدية ظهرت في مملكة إيبلا عام 2400 ق. م, وفي الوقت نفسه أحببنا أن نطور هذه الصناعة لتتماشى مع وقتنا المعاصر فأنتجنا غار الورد, غار البابونج, غار النعنع, غار الياسمين, غار العسل.. إضافة إلى صابون الغلسيرين بأنواعه.. وبهدف تعليم السيدات على صناعة البروكار قمنا باقتناء نول يدوي قديم وتأمين المواد الأولية اللازمة للعمل وترافقه ورشة خياطة كاملة في غرفة مستقلة لتكون متممة للعمل وتنتج منتجات بروكار وتقدمها بطريقة معاصرة مع المحافظة على روح الأصالة فيها, كما نهتم حالياً بـ«العجمي» والفكرة مستمرة لإقامة ورشة للموزاييك والرسم على الزجاج..
الصيدلانية ريما أبو خاطر عضو في مجلس إدارة جمعية الصخرة تقول: تتضمن أهداف الجمعية؛ التنمية وإحياء التراث وتعريف الأجيال الجديدة عليه وعلى تاريخنا العريق فكانت فكرة إحياء المهن التراثية للمحافظة على استمراريتها منها صناعة الصابون وصناعة البروكار من الحرير الطبيعي الذي أصبح وجوده نادراً ويعتمد في نسيجه على خيوط الحرير والذهب والفضة وتختلف ألوانه من لونين إلى ثمانية ألوان.. ضمن هذا المقر الجديد الذي سيكون مفتوحاً ليستقبل كلّ من يحب أن يتعلم هذه المهنة على أصولها وإنتاج منتجات متكاملة مع ورشة الخياطة المرافقة والمتممة له.. ونحن نصبو لإدخال العديد من المهن التي تساعد الناس في الدخل وفي الوقت نفسه حمايتها من الاندثار والنهوض بها وتطويرها.
أما مدير عام بنك بيبلوس كرم بشارة فتحدث قائلاً: يعد هذا المشروع ظاهرة حضارية لأنه يربط بين تراثنا وأصالتنا والصناعات الموجودة, ويعدّ بداية عهد جديد لعمل يدار بطريقة جديدة ولمستهلكين جدد حتى يستطيعوا إنتاج سلع معاصرة تعبر عن تراثنا أمام العالم كله، وأهم ما في هذا المشروع هو إقامة هذا المعهد المتخصص الذي من مهامه تعليم الحِرف وإحياؤها كي نبذل قصارى جهدنا لنحافظ عليها لأن زوالها واندثارها خسارة فادحة ليس لسورية فقط بل للحضارة الإنسانية كلها.. في حين تحدثت السيدة روعة مارينا عضو مجلس إدارة جمعية القديس إليان الحمصي للسيدات بدمشق فقالت: يعد هذا المشروع مبادرة جميلة يسعى القائمون عليها إلى ترسيخ العلم والعمل وتأمين فرص كسب شريف يؤصل التراث ويحافظ عليه وينشره بين الأجيال الجديدة إضافة إلى رفد الأسواق بمنتجات تحمل روحاً جديدة تواكب العصر.