الإبداع الساخر وتجلياته عبر الفنون
رغم الأزمات والضغوطات التي يعيشها السوريون بسبب الحرب على بلدهم، إلا أن روح النكتة مازالت حاضرة لديهم عبر مختلف مجالات الحياة، وجاء الأدب الساخر كحلّ مهم لحالتنا الإنسانية التي نعاني منها، باعتبار المجتمعات التي ترزح تحت ضغوط وأزمات تكون النكتة حاضرة لديهم عبر الحياة والصحافة والكاريكاتير والعمل الدرامي ..
التقاطات متعددة حاول الأديب سامر منصور جمعها عبر الندوة الأدبية التي أقامها في ثقافي أبو رمانة بمشاركة الأديبين (د. محمد عامر مارديني، وخضر الماغوط وفنان الكاريكاتير عبد الهادي الشماع ) وحملت عنوان “الإبداع الساخر”، وبدأها برسومات كاريكاتورية بريشة الفنان الشماع، واختتمها بقراءات لعدد من النصوص الإبداعية لضيوف الندوة..
إعلان لموقف حقيقي
البداية كانت مع رسام الكاريكاتور الشماع الذي استعرض رحلته مع فن الكاريكاتور وسبب توجهه نحو هذا الفن الساخر بمرور الوقت، وكشف سر تحوله إليه بأن إدهاشه بشيء هو عاجز عنه؛ جعله ينتقل لا شعورياً إليه وجعله يشكل منعطفاً مهماً في حياته دفعه لامتهان هذا الفن والإبداع فيه، ولفت بأن همّه الأول كان إيصال الفكرة عبر رسومه ومحاكاة الوجع ، ورأى أن السخرية أعمق بقليل من الكاريكاتور وتقديمها بهذا الشكل هي إعلان لموقف حقيقي يتبناه، كما تحدث بعدها عن المقومات التي يجب أن تتوفر برسام الكاريكاتور؛ وهي الحسّ الانتقادي الساخر والملاحظة الدقيقة والمفارقة اللغوية إضافة إلى الرسم، وشدّد على فكرة أن البحث عن المفارقة والفكرة تتقدم على الرسم، وأشار إلى أن الموهبة وشدة تميزها هي التي تحدد مدى تقبل المتلقي لما ينتجه هذا الفنان.
ضحك كالبكاء
من جهته نوّه الأديب الماغوط بأن كاتب الأدب الساخر شخصيته غير كتاباته نهائياً كونه يعرف مواطن الحزن والتعب والمأساة عند البشر، وعبّر عن ذلك بمقولة أن الأدب الساخر هو ضحك كالبكاء وهو الحاجة الفعلية التي يبحث عنها الجميع بدليل أن أدباءنا كانوا يبحثون عن المبالغة في الفكرة، ومن هنا أتت المفارقة بين شخصية الكاتب والنص الذي يكتبه، وأشار بأن السخرية شكل من أشكال الدفاع عن النفس.. فالأدب الساخر واقعي وجاد في البحث عن حل للقضايا والمشاكل والهموم والكتابة عنها، وربما يجعلك تبكي وأنت تسخر من حزنك وتعبك ومشاكلك، وليس غايته الإضحاك، فالكوميديا السوداء موجودة عند معظم الناس نتيجة المعاناة المعيشية إلا أن توظيفها عبر الأدب كان سببه امتلاك البعض لملكة الكتابة، ولفت بأن الأدب ليس لحل المشكلة؛ بل الإشارة إليها، وقدّم الماغوط خلال الندوة عدة قصص قصيرة هي قصة الحضارة، حفل ديمقراطي، تصنيف، آخر الأخبار، والحافي ..
حاجة ملحة
بدوره أكد د. مارديني أنه مزج بين السيرة الذاتية مع الأدب الساخر، وأشار بأن سبب تفرده في هذا المجال هو وجوده في عدة مجتمعات متعددة نتيجة تسلمه لإدارات مختلفة، ولفت إلى أن لكل مجتمع منها خصوصيته، وأخذ من كل مجتمع المظاهر القابلة للانتقاد وحولها بطريقة النكتة إلى مجموعة قصصية كانت الأولى له حملت عنوان “حموضة معدة” وأن المجموعة الثانية قيد الصدور حالياً وهي بعنوان “قصص شبه منحرفة”، وأشار أن متن القصة دائماً مُشاهد وهو ما يعطي للقصة واقعيتها، وأكدّ أن توجهه نحو هذا النوع من الأدب كون طبيعته في الحياة تميل إلى روح النكتة وسرعة البداهة، إضافة إلى تطويع الذخيرة الأدبية التي يمتلكها في هذا النوع من الأدب، ورأى أن القراءة تتيح للكاتب فضاءات جديدة والإبحار في عوالم القص وتقديم أفكار إبداعية مجال الأدب الساخر وأشار بأنه استفاد من محيطه في أدلجة الفكرة وتقديم ما يريده بأسلوب السهل الممتنع، كما تحدث د.مارديني عن حاجة مجتمعنا للأدب الساخر نتيجة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وتبعات الحرب على سورية، وقد استطاع هذا الجنس الأدبي أن يكون متنفساً للحالة الداخلية ويلامس الهمّ الإنساني ويحكي قصصهم. وأضاف مارديني أن الطبيعة المجتمعية حاضرة بقوة في معظم قصصه وأن على الكاتب أن يتحمل مسؤولياته فيما يقدم، وأن يسلط الضوء بطريقة فنية خلاقة ويقدم حلولاً بطريقة ما إن وجدت، وقدم مارديني قراءة سريعة لإحدى قصصه التي حملت عنوان “جظ مظ” ..
واختتم القاص سامر منصور الندوة بقراءة سريعة لإحدى قصصه التي تنتمي لهذا النوع وحملت عنوان “ربطة عنق”.
تصوير: صالح علوان