إضاءة على صور الإبداع المسرحي عند الأديب هيثم يحيى الخواجة
صدر حديثاً عن دار الكتب والدراسات العربية في الإسكندرية بمصر كتاب بعنوان “في مرايا النقد – صور الإبداع المسرحي والأدبي للأديب د. هيثم يحيى الخواجة” الذي يعيش في الإمارات منذ ما يزيد على ربع قرن.
ضم الكتاب العديد من المقاربات والدراسات النقدية المنشورة التي كانت قد نشرت في صحف ومجلات عربية عديدة، وهي وفق معدّ الكتاب الأديب أحمد حسين حميدان، لم تكن إحاطة تحليلها وعمق رؤيتها على درجة واحدة في استبصار العوالم المسرحية والسردية وأبعادها الدلالية التي قدّمها د.الخواجة عبر مختلف إصداراته الأدبية شعراً وقصة ومسرحية وأبحاثاُ. ولذلك هو كتاب تقديري وتكريمي لجهده في عالم الأدب.
وأشار المعدّ حميدان إلى تنوّع لوحة نشاط د.الخواجة فهو ناقد وكاتب مسرحي من طراز غير عادي، حازت نصوصه على العديد من الجوائز وتم تكريمه في غير بلد عربي كما تم ترؤسه أكثر من لجنة تحكيم في المهرجانات والملتقيات المسرحية علاوة على تعيينه في غير لجنة تحكيم لمسابقات تخص أدب الأطفال، ناهيك عن تقديم العديد من الرسائل الجامعية (دكتوراه وماجستير) حول إصداراته في أكثر من دولة عربية.
وقد خصص القسم الأول من الكتاب للدراسات التي تناولت مسرحه وأدبه بصفة عامة، والقسم الثاني ضم الدراسات التي قاربت إصداراته النقدية على اختلافها، في حين خصص القسم الثالث للمقاربات النقدية التي اكتفت بتناول مسرحية واحدة له أو مسرحيتين. والقسم الرابع لما كتبه بعض النقاد حول قصصه القصيرة، والقسم الخامس للدراسات التي أضاءت جانبه الشعري المخصص للأطفال. ونقتطف من الدراسة الأولى لمعدّ الكتاب حول “صورة الراهن العربي في مسرح المونودراما عند د. الخواجة”. إذ مضى يقول: بدأ الخواجة مسرحيته “شهقة حلم” بحلم يقظة وختمه بحلم منام، فجمع بين الرؤية والرؤيا مستدعياً التاريخ ليحاور به الزمن الحاضر وإنجازاته الهائلة عن مكاننا المفقود ثم يمضي للبحث عنه ونمضي معه فيأخذنا بالحلم والخيال والفانتازيا إلى عوالم آسرة إلاّ أننا لا نعثر فيها على ما نبحث عنه فنمضغ مرارة الفقد ونصحو على اللامكان الذي انتهى إليه د. الخواجة عبر تجريب مسرحي سعى إليه في مسرحيته محاولاً استثمار خطاب الحداثة وطروحات ما بعد الحداثة التفكيكية واضعاً إياها في ميدان التجربة التي اكتست منها علامة إضافية لمسيرته المسرحية غير القصيرة. وكتب المسرحي الراحل محمد بري العواني حول “البناء التراكمي في مسرح الخواجة الطفلي” ورأى فيه أن الأعم الأغلب من نصوصه تقوم على بينة تراكمية، ما يعني لدينا جملة من الأمور التالية: غياب موضوع متميز ببنية صدامية. ويترتب على ذلك: غياب الصراع، ما يعني أن الشخصيات في أعماقها غير متكافئة، وأن بعضها لا يملك الحرية قدر الآخر، ولا يملك قوته. وهذا يعني أن ما كان يسود في تلك النصوص هو بنية حكائية سردية، تُشْعِر حوادثها بصراع تستدعيه تراكم الحوادث نفسها وليس صراع وصدام الشخصيات! ويوضح الراحل العواني مسألة البنية التراكمية بأن موضوع الكاتب الخواجة في مسرحياته أقرب كثيراً إلى الموضوعات الساكنة، كونه يفتقد إلى حوافز الصراع وآلياته ومبرراته، ولهذا نرى فيها نقلات سريعة في المكان والزمان، أو الأحداث. وذلك بسبب امتثاله إلى طبيعة الحكاية البسيطة وتراكم اللغة الحوارية، وتراكم الحوادث وليس الأحداث. ليشكل بناءاً متكاملاً يستوعب الحكاية التي لا تأبه بمنطقية المكان والزمان، وحركة الشخصيات وعلاقاتها. وعلى هذا فإن السرد الحكائي لا يمتثل دائماً لصراع مباشر، لأننا يمكن أن نروي الحكاية، نسردها، نحكيها، من دون حدوث فعل، حدث، محدّد ومشخّص أمامنا. ولقد فعل ذلك الخواجة كثيراً، غير خائف أو وجل، مادام ذلك يحقق له أهدافه التربوية والفنية. فما يبرز في نصوصه هو نزوع نحو التوجيه والإرشاد لتعزيز مجموعة من القيم عبر الحوار الدائر بين الشخصيات ومن خلال سلوك يوهم بالصراع، الذي في حقيقة الأمر ما هو إلاّ محاولة فكرية. فالكاتب الخواجة ليس صدامياً في مسرحه كونه يمارس دور المعلّم المربّي المعنيّ بالتربية القيَمِية.
وتناولت مقاربة الشاعر د. راتب سكر “فن الممثل الوحيد في أدب الخواجة بين الأدب المسرحي وخشبة المسرح” يقول د. سكر: يقدّم السياق الأدبي للمسرحيتين “زهرة عبّاد الشمس، وهجرات عبد الرحمن الكواكبي” إشارات كثيرة تفصح عن وعي الخواجة الفني المسبق بالضرورة الطبيعية لتحويل نصه الأدبي إلى مسرحية ممثلة على خشبة المسرح، ويأتي توجيهه ذو الطوابع الإخراجية بين السطور في مقدمة تلك الإشارات النابضة برغبة حميمة في ربط النص بالتمثيل، وهو يضع عبارات توجيهية ضمن أقواس كبيرة. وتزداد دلالات عبارات المؤلف التوجيهية بين السطور، حدّة وثراءً في المواقف التي تفصل بين الأحداث وتحتاج إلى تغيير “الديكور” غالباً. وهي المواقف التي تترافق بهبوط الستار في المسرح عادة غير أن المؤلف الخواجة لا يوظف الستار بل يبحث عن حلول بديلة تناسب قضيتي الممثل الوحيد والعرض القصير. وذلك من خلال لعب بسيط بالإضاءة ضمن سياق درامي متصاعد يخدم أسئلة الصراع التي يعرض لها النص. بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب يعتبر وثيقة مهمة تسلط الضوء على أهم ما أنجز الأديب د. هيثم يحيى الخواجة الذي نافت إصداراته عن المئة كتاب، إذ سيشكل مرجعاً مهماً وميسراً لكل من سيتناول أدبه بالدراسة لاحقاً.