معرض «رحلة حنين» .. إبحار الذاكرة البصرية في التراث الحرفي
إنه الحنين.. يأتي متسللاً ليطرق أبواب القلوب الغافية على أطيب الذكريات داعياً إياها إلى النهوض لتوقظ النفوس وتحفزها على استرجاع ما مضى كي يبقى حاضراً أمام العيون ولتترجمه كل ذاكرة كما تشتهي لذكرياتها أن تمتد ناهلة استمرارها من عبق الماضي ومِسكه المعتّق.. ففي المعرض الفني الجماعي «رحلة حنين» الذي استضافته مؤخراً صالة المعارض في مركز ثقافي «أبو رمانة» بدعوة من جمعية بيت الخط العربي وذلك بهدف إلقاء الضوء على التراث الحرفي السوري وصناعاته التقليدية وتعريف الجيل الجديد به فتناولت الأعمال الفنية التشكيلية من لوحات ومنحوتات وخزفيات.. مواضيع متنوعة التقنيات والأساليب والأحجام عبّرت عن الانتماء إلى الماضي الحاضر دائماً.
عن هذا المعرض وعنوانه ومضمونه ومشاركتها فيه تقول الفنانة التشكيلية ريم قبطان رئيسة جمعية بيت الخط العربي للفنون والمنظمة للمعرض: يعدّ المعرض رحلة للإضاءة على محطات الحرف اليدوية ومن هنا تم اختيار عنوانه «رحلة حنين» ليعبّر عن الحنين للتراث وللماضي, وهذا ما هدفت إليه جمعية بيت الخط العربي والفنون عند إقامتها هذا المعرض الفني الذي ضمّ ٣٥ عملاً وشارك فيه ٢٤ فناناً وفنانة وتنوعت أعماله بين الأعمال التشكيلية وفنون النحت والخزف والعجمي حيث جسد الفنانون رؤيتهم للحرف التراثية والصناعات التقليدية الخاصة في سورية من خلال هذا التنوع.. وقد شاركتُ فيه بلوحتين إحداهما عن النول وصناعة السجاد, والثانية رسمت فيها الخطّاط مع أدواته التقليدية وقد ضمنتهما أجواء شرقية غنية بالزخارف والمنمنمات باستخدام تقنيات المائي والإكرليك والزيتي.
أعمال متنوعة تناولها المعرض جسدت حرفاً تراثية وأماكن ارتبطت بها وذكريات وحنيناً لأماكن أخرى فقدمت المهندسة والفنانة التشكيلية ونسه عابد وهي عضو مؤسس في جمعية بيت الخط العربي والفنون عملين عن الخيل الذي يعدّ من تراث منطقتنا, ويعبّر عن الأصالة العربية نفذتهما بتقنية الألوان الزيتية وبألوان الإكريليك.
بينما شاركت الفنانة أريج سمعول وهي أيضاً عضو مؤسس في جمعية بيت الخط العربي والفنون ومدرّسة موسيقا اختصاص «بيانو» بلوحة زيتية تجسد مشهد الغروب على ساحل مدينة بانياس المكان الذي تنتمي إليه تعبيراً عن حنينها لمدينتها.
ومن جهته تحدث الكابتن الطيار والفنان التشكيلي عمر رمضان قائلاً: شاركت في معرض «رحلة حنين» بعملين مستخدماً تقنية التصوير الزيتي, فكان العمل الأول هو «بورتريه» للفنان القدير ناثر حسني اتبعت فيه الأسلوب الواقعي الانطباعي, واستخدمت الألوان الرومانسية بشكل واضح وهذا العمل هو تجسيد للحنين إلى مرحلة الدراسة الأكاديمية وتقدير للأستاذ ناثر حسني.. أما العمل الثاني فكان «بورتريهاً» شخصياً بتقنية التصوير الزيتي, وكان الأسلوب الانطباعي فيه أكثر وضوحاً كما قمت بتوظيف الظل والنور فيه بشكل واضح.
وعن مشاركتها قالت الفنانة التشكيلية عبير العودات وهي مدرّسة فنون: معرض «رحلة حنين» أخذني إلى الماضي حيث شاركت فيه بثلاث لوحات فكان اختياري لوحة بالخط الكوفي النيسبوري لاسم من الأسماء التي تغنت بها مدينة دمشق عبر العصور ومنها: جلق, شام شريف, كنانة الله, دامشقا, مدينة الياسمين وغيرهم, فاخترتُ اسم «دامشقا» وصممته ضمن تكوين السيف الأموي الدمشقي بألوان الإكريليك والغواش ودمجت معه بيت شعر للشاعر نزار قباني: (كتب الله أن تكوني دمشقا بك يبدأ وينتهي التكوين), أما اللوحتان الثانية والثالثة فقد سلطّت فيهما الضوء على مهنة العجمي التي اشتهرت بها سورية عبر تاريخها العريق وأضفت بالألوان الزيتية الورود إلى جانب الزخرفة في اللوحة الثالثة لما تحمله من طابع خاص بحضورها الجميل حول البحرة التي تتوسط البيوت الدمشقية القديمة.. فكانت «رحلة حنين» غنية بالثقافة الدمشقية .
في حين قالت المهندسة والفنانة التشكيلية سهام محيسن عن هذه المشاركة: شاركت بلوحة «بورتريه» زيتية من المدرسة الواقعية تحكي حكاية حياة أحد أجدادي مع آلة الخياطة اليدوية القديمة التي قد تبدو آلة صامتة ولكنها بالنسبة إليه رفيقة عمر شاركته الأيام والسنين وعانت ما عانى إلى أن طاب له أن يغفو جانبها بطمأنينة .. فالخياطة مهنه تراثية محببة تناقلتها العائلات ولا تزال مستمرة إلى الآن, وإن اختلفت الأساليب فاللوحة تحكي عن حياة أسلافنا لتكريم هذا الماضي الأصيل.. وقد جاء شغفي بالفن كمهندسة لأنه تراث إنساني عريق يلامس الروح بأساليب متباينة ويحمل رسالة فكرية تنطق باللون ضمن مشهد جمالي.
أما الفنان التشكيلي عدنان إبراهيم قاسم فيقول: شاركت بلوحتين 100/70 بتقنية الزيتي والأسلوب الواقعي رسمت فيهما حرفة الفخار فقد أحببت تسليط الضوء على هذه الحرفة العريقة والقديمة جداً والتي يزيد عمرها على 6000 عام بعد ما أصبحت هذه الحرفة مهددة بالزوال والاندثار.