«عقد اللولو» والمرحلة الثّانية من مسيرة السينما السورية

تحرص جمعية الخط العربي والفنون على إقامة ورشات عمل ومعارض فنية بشكل دائم إيماناً منها بضرورة الاستفادة من التّجارب السّابقة، يقول أمين سرّ الجمعية الزّميل سمير طحّان: نحاول من خلال الجلسات الحوارية التي نقيمها أن نطرح مواضيع تفيد في النّهوض بالواقع الثّقافي السّوري الحالي عبر قراءة التّجارب السّابقة واستخلاص العبر والخبرات منها أو من خلال قراءة الحاضر واستشراف المستقبل إيماناً منّا بأنّ العمل الثّقافي هو جهد جماعي يحتاج إلى مشاركة كلّ المختصين والمعنيين به، لذلك نتعاون مع عدد من الزّملاء الإعلاميين المتخصصين في جوانب ثقافية عدّة ونستضيف العاملين في المجالات الثّقافية المتنوّعة حسب طبيعة الموضوع المطروح ودائماً بالشراكة مع مديرية ثقافة دمشق ومراكز ثقافية عدّة.
واليوم اختارت الجمعية أن تلقي الضّوء على السّينما الغنائية السّورية التي أعلن عن بدايتها فيلم (عقد اللولو)، يقول السّينمائي نضال قوشحة: كما في كل دول العالم كانت بداية إنتاج السّينما في سورية من خلال القطاع الخاص وتحديداً في عام 1928 من خلال شركة (حرمون فيلم) التي أسستها مجموعة هاوية لفن السّينما وهم: أيوب بدري ورشيد جلال وأحمد تللو ومحمد المرادي، ونفذوا فيلم (المهترئ) وهو أول فيلم سوري على الإطلاق وتجربة لم يكتب لها التّوفيق لكونها كانت قائمة على روح المغامرة التي لا تجدي نفعاً في صناعة السّينما، فتوجّهت المجموعة ذاتها ومن خلال شركة «هليوس» إلى استقطاب أسماء احترافية في السّينما فلجؤوا إلى إسماعيل أنزور دارس فن السّينما في النّمسا الذي كتب وأخرج ثاني أفلامهم وهو (تحت سماء دمشق) عام 1932 وهو أقدم فيلم سوري محتفظ به كاملاً ثم كان عام 1936 حيث أنتجت شركة (حرمون) فيلم (نداء الواجب)، وكان على سورية أن تنتظر بعد ذلك عشر سنوات حتى تنتج فيلماً آخر هو (نور وظلام) للمخرج نزيه الشهبندر وهو أوّل فيلم ناطق سوري أنتج عام 1947 لتمضي بعدها ثلاث سنوات وتدخل حلب على خط الإنتاج من خلال شركة (عرفان وجالق) التي أنتجت فيلم (عابر سبيل) ومن خلال زهير الشوا أنتجت السّينما السّورية الخاصة عام 1961 فيلم (الوادي الأخضر)، وعاد الشوا لينتج عام 1963 فيلم (وراء الحدود) ثم فيلمه الأخير (لعبة الشّيطان) عام 1966 لتنتهي بذلك مرحلة الإنتاج السّينمائي السّوري غير المحترف.
ويضيف قوشحة: كان على السّينما السّورية أن تعيش ولادتين سينمائيتين الأولى عام 1964 من خلال ولادة السّينما الخاصة المحترفة ثم عام 1968 ولادة سينما القطاع العام من خلال إنتاج أول أفلامها (سائق الشّاحنة)، وبالحديث عن سينما القطاع الخاص لابدّ من الحديث عن تأسيس شركة (سيريا فيلم) لـمحمد الرّواس وفوزي الرّواس وسعيد النّابلسي عام 1963 وقناعتهم بأنّهم سيصنعون سينما سورية منافسة وتجارية، وكان عمر التّلفزيون السّوري حينها ثلاث سنوات وكان حدثاً فنياً واجتماعياً بحيث غيّر تركيبة المجتمع السّوري وصارت بعض الأسماء الفنية مزروعة في وجدان المواطن السّوري بشكل قوي مثل دريد لحام ونهاد قلعي اللذين قدما (اسكتش) تلفزيونياً اسمه (عقد اللولو) الذي لاقى صدى طيباً وقررت الشّركة تحويله إلى فيلم سينمائي مستغلةً جماهيرية القصّة والبطلين، وغلبت على الفيلم الذّهنية الاحترافية فعلاً، وتوجّه أصحاب الشّركة إلى تحسين القوادري وهو الخبير بشؤون التّوزيع السّينمائي على العالم العربي ولاسيّما أفلام أنور وجدي كما كانت له تجارب إنتاجية في مصر ووضع أصحاب الشّركة المشروع في عهدته، وبعد أن قام بدراسته طلب إدخال تعديلات كان أهمها تغيير المخرج خلدون المالح وأتى بمخرج لبناني سينمائي اسمه يوسف معلوف ورضي المالح بالحلّ وكان مساعداً مخرجاً.. كذلك استعانوا بالمطربة صباح، وكانت حينذاك من أشهر المطربات العربيات، ومن سورية استعانوا بالمطرب فهد بلان، وكانت شعبيته ضاربة طبعاً مع نهاد قلعي ودريد لحام، وبهذا الرّباعي ضمن القوادري وجود قاعدة قوية من المشاهير التي تستقطب النّاس ثمّ عزز ذلك بعدد من الكوادر العربية وغير العربية في تفاصيل العمل ليعطي الفيلم صيغته المهنية المثلى ثمّ كان طلبه بأن يصوّر الفيلم بالألوان الأمر الذي كان يعني دفع المزيد من المال حينها، لكن إصراره على الفكرة جعل الآخرين يقبلون، وبذلك يكون أول فيلم سوري ملوّن، واستطاع أن يقنع رفيق دربه السّينمائي نادر الأتاسي بالدّخول في الإنتاج، وفعلاً هذا ما حصل وبنسبة النّصف، ولكل من شركتي (سيريا فيلم) وتحسين القوادري الرّبع، ونفّذ الفيلم وبدأ التّصوير في لبنان في شهر آذار، وكان يعرض في عدد من العواصم العربية بشهر تموز من عام 1964 وحقق نجاحاً كبيراً إذ استمر في الصّالات السّينمائية قرابة 22 أسبوعاً.

وبيّن قوشحة أن هذا الفيلم شكل بخروجه عن المألوف تجارياً علامة فارقة في تاريخ الفن السّينمائي السّوري، وقادت تجربته النّاجحة العديد من أصحاب رؤوس الأموال السّوريين للاستثمار في مجال السّينما، الأمر الذي دار بعجلة الإنتاج الخاصة قدماً حتى وصلت إلى عامها الذهبي 1974، حيث أنتجت سينما القطاع الخاص حينها 14 فيلماً واستمر كذلك حتى ظهور عصر الفيديو حيث بدأ يقل إلى أن توقّف تماماً في نهاية تسعينيات القرن الماضي، ويسجل لـ«عقد اللولو» العديد من الألقاب فهو أول فيلم سوري ملوّن وأول فيلم احترافي وأول فيلم يحقق أرباحاً تجارية وفنية كبيرة وأوّل فيلم يعرض في العديد من العواصم العربية بشكل متزامن ويحقق فيها نجاحات فنية وجماهيرية كبيرة.
وفي مداخلته، تحدّث الزميل سامر الشّغري عن الأفلام السينمائية الغنائية التي أنتجت في مرحلة السّتينيات والّتي ناهزت خمسة عشر فيلماً، لافتاً إلى أنّ إنتاجات المؤسسة العامة للسّينما خلت من الأفلام السّينمائية الغنائية أو الاستعراضية إلى جانب عدم استثمار الأصوات الغنائية السّورية وإمكانات الملحنين السّوريين بالشّكل الأمثل في إنتاجات السّينما السورية بشكل عام.
بدوره، وفي مداخلة مصوّرة تحدّث المخرج السّينمائي أنور القوادري عن كواليس الإعداد لإنتاج فيلم «عقد اللولو» الذي أنجزه والده المنتج السّينمائي تحسين القوادري ما أسس للمرحلة الثّانية من مسيرة السّينما السّورية بما أنتجته من أفلام رابحة استطاعت أن تصل إلى مختلف البلدان العربية وتؤسس لنجاح الدّراما السّورية فيما بعد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار