جمهور الثقافة كشريك في خيانة الوقت!

درجت العادة ـ مرغمين ـ على التّأخّر ربع ساعة أو ثلث ساعة وأحياناً نصف ساعة لبدء كثير من النّشاطات الثّقافية.. عادةٌ تضاعفت في سنوات الحرب على سورية من باب التّفكير بالآخر سواء أكان محاضراً أم مهتماً أو متابعاً للشّأن الثّقافي ومراعاة الظّرف العام من ازدحام الطّرقات وصعوبة الفوز بوسيلة نقل تقلّهم من أماكن سكنهم البعيدة إلى مركز ثقافي في وسط المدينة.
وعلى ما يبدو نحن اليوم على وشك التّعوّد على ظاهرة «ثقافية» جديدة أو وسيلة جديدة في إضاعة الوقت والاستهزاء بالآخر وعدم احترامه، إذ لم يجد أحد المحاضرين ـ مؤخراً ـ ضيراً في تأجيل محاضرته ساعةً كاملةً من دون أن يكلّف نفسه إجراء اتّصال هاتفي يخبر به إدارة المركز الثّقافي بذلك، مكتفياً برسالةٍ مقتضبة عبر وسيلة من وسائل التّواصل الاجتماعي ناسياً انقطاع التّيار الكهربائي والإنترنت الضّعيف الذي لا يسمح في كثير من الأوقات بالاطّلاع على أي رسالة.
هكذا هم بعض المثقفين اليوم، برسالة عبر الـ«واتساب» يرفع المحاضر المسؤولية عن عاتقه من دون أن ينتظر ويراقب هل وصلت رسالته أم لا، ومن دون أن يفكّر أو يشعر بالخجل من بضعة أشخاص أتوا من مناطق بعيدة ـ من صحنايا ومن ضاحية قدسيا ـ إلى مركز المدينة وفي «عزّ» الازدحام والحرّ ليستمعوا إليه وإلى ضيفه.
بمرور أوّل ربع ساعة تأخير كان الوضع أشبه بالعادي ولكن مع الاستفسار والسّؤال وبعد معرفة الخبر اليقين انقسمت «البضعة» القليلة إلى فئتين الأولى ناقمة وساخطة على ما فعله المحاضر المثقّف، والثّانية راغبة بالانتظار بحكم الصّداقة أو العلاقة التي تربطها به، أو ربّما كي لا تعود كما أتت بـ«عزّ» الازدحام والحر، وبذلك لا تقلّ فعلتها عمّا فعله المحاضر من استهتار بالوقت وبالحضور.. إنّها كمن يمنحه بطاقة عبور وتشريع لهذه العادة أيضاً إلى جانب عادات أخرى فشلنا في التّخفيف منها حتّى..
كنّا نقول دائماً: جمهور قليل ونوعي أفضل بكثير من أعداد هائلة تملأ القاعات والصّالات ، لكن على ما يبدو لابدّ من إعادة النّظر في دراسة الجمهور الثقافي المحلي، فالقلّة القليلة اليوم ستسمح لهذا المحاضر بأن يتأخر دائماً بل إن عقله لن يحمله لأنّ هناك من انتظره ساعةً كاملةً و«سينفش» ريشه ويقول لنفسه كما انتظروني في المرّة السّابقة سينتظرونني في المرّات اللاحقة وهكذا دواليك، كأنّه لم يحاضر يوماً عن الوقت وأهميّته وعن احترام الآخر.
ربّما الوقت عند هذا المثقّف المخضرم كما هو في البيت الذي نظمه الشّاعر أحمد شوقي:
دقّات قلب المرء قائلة له /إنّ الحياة دقائق وثواني
ولم يسعفه وقته ليقرأ البيت الذي يليه:
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرهـا / فــالذّكـــر للإنسان عمــرٌ ثانِ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار