بعد 13 عاماً.. «شرقيل» بوحمود ترى النّور
«الرّواية وجع كبير.. لقد كتبتها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وقلت حينها في نفسي إنّها لن تخرج إلى النّور، لكن في زيارة لي إلى الهند حملت من هناك كتباً عديدة، ومن بينها رواية للكاتب طاغور، وعندما قرأتها شعرت كأنني أنا تقمّصت هذا الرّجل لأنّ ما كتبته مشابه لما كتبه، الأمر الذي استفزني، وقررت طباعة الرواية، وهاهي اليوم بين أيديكم».. يقول الشّاعر والرّوائي غانم بو حمود في كلمته لمن شاركه ولادة ابنه الحادي والعشرين في المركز الثّقافي العربي بـ «أبو رمانة».
وفي قراءته الرّواية، ينوّه الدّكتور راتب سكّر بوجود الشّخصية الشّرقية في الرّواية والأدب العربي عبر التّاريخ، مضيفاً: ليس من باب المصادفة أن تكون المجموعة القصصية لنصر محسن الصّادرة في المرحلة الزّمنية السّابقة بعنوان: «شرقائيل» وهي شقيقة «شرقيل»، وعند محسن أيضاً شخصية شرقيل فيها هذه الصفات، ووجدت كل شخصية بعدها عند الكاتب، أمّا لدى غانم فلها وظيفة غير مجّانية لحاجة الكائن والمجتمع إلى شخصية لها وظيفة سردية مهمّة لأنّ غانم السّارد يشعر بداخل نفسه بأنّه يواجه العالم، وهو أعزل، وهذا شعور المثقف العربي عامّةً.
ويدلل سكّر بالمقدّمة التي تشير إلى سيرة ذاتية، يقول: يا ترى هل أراد أن يصارحنا بذلك، وهل هو الذي يحكم أنّ ما كتبه سيرة ذاتية أو رواية؟ إذ لا يطلب من الكاتب أن يكون صادقاً فيما يعد القارئ به، مبيناً: في الرّواية نوع من الإيحاء بأنّها سيرة ذاتية، وهذا حصل مع كثير من الرّوائيين العرب، لذلك التّخيّل الموجود في الرّواية مرتبط بالسّيرة وهذا ليس عيباً، وتقوم الرّواية على مقاطع قصيرة وأخرى طويلة وهذا يسحبه الكاتب والرّوائي من تجربته الطويلة في الشّعر، فالمهم في شعره وشعر أبناء جيله البناء المقطعي، وسحب هذا البناء الفنّي من الشّعري إلى الرواية ولم يكتفِ بالبناء المقطعي شكلاً، وإنّما سحب معه العتبات النّصية التي في أغلبيتها تنسج في أن تكون خاتمة نصية.
ويتحدّث فرحان الخطيب في الفكرة ذاتها، مستشهداً بما ذكر غانم في المقدمة: (قلت لكِ أكثر من مرّة لست شخصية سياسية بارزة أو أدبية مشهورة، أو فنية نادرة كي أسعى إلى كتابة سيرة ذاتية، وأنا أدرك تماماً صعوبة ولادتها ووصولها إلى أيدي القراء في زحمة ما تتسابق دور النّشر إلى طباعته وتوزيعه والاحتفاء بمناسبات التّوقيع عليه أيّما احتفاء)، وموضحاً: مباشرةً يضعنا الرّوائي في مواجهة مع سيرته الذّاتية التي أرادها سجلاً لأحداث أسبغتها الأيام والأعوام على حياته منذ الطّفولة وحتى الكهولة، وهذا ما يفسّره السّرد بجلاء، ولا يخدعنا الرّاوي من خلال تخييل مفترض لشخصيات تخدم نموّ وتطوّر أحداث الرّواية، بل يبحث في معقل ذاكرته، فيجد جدولاً واضحاً لديه بالوقائع والتّاريخ راصداً لها، كما أنّه لم يمنحنا الزّمن الطّبيعي الذي تنمو فيه هذه الشّخصيات، لكنّه تلاعب في زمن مغلق وزّعه على أزمنةٍ جزئية تبعاً لتدفق الحالة التي يتناولها من مخزن ذاكرته ويبثّنا إياها حسب رؤيته لها، لأنّ الراوي هنا هو شخصية «المعلّم»، وهو حمّال لأفكار ثرّة يريد أن يطرحها، ويقنعنا بها لتمتعه بمعرفة أحوال كلّ الشّخصيات اجتماعياً وسيولوجياً، فهو العارف بكلّ شيء، ولكي يؤكّد لنا ذلك كان يختم كلّ مقطع، أو فصل بقول مأثور، أو حكمة على لسان كاتب مهم.
ويضيف الخطيب: تنفض الرّواية عنها غبار الاغتراب لتؤكّد الانتماء للأرض ولعراقة الإنسان «شرقيل»، وإن كانت ولادته صعبة على يدي القابلة أم تميم إلا أنّه لمّا يزل حياً، هذا الشّرق إنْ أعنّاه علماً ومعاصرةً ودلالة بعثه من جديد مع رجوع المعلم إلى بلدته الوطن ـ غانم بوحمود في مغامرته مع كلّ أشكال الأدب من شعر وقصّة ورواية كان دائماً الأديب القلق الذي يبحث في حقل التّجريب عن كلّ ما يثري تجربته الأدبية وبالتّالي الإنسانية.
وهذا ما يؤكّده أيضاً الأديب رياض طبرة إذ يقول: الشّاعر غانم بوحمود خبر الحياة بكلّ مفرداتها، وربّما عاش أقسى ما فيها من ظلم وتعسف وجور وفقر وحاجة، وعاش أطيب ما فيها من ود ووفاء ومكانة رفيعة علمياً وأدبياً.. لكن يخطر في البال لماذا نهج الشّاعر منهج الرّواية، وهل أدرك بحسّه القلق ونباهته أنّ المستقبل للرّواية، وأنّها أكثر ديمومة في العقل الإنساني؟ على أي حال يمكن الجزم بأنّ الرّسالة التي أراد الكاتب إيصالها عبر «شرقيل» لن تجد خيراً من الرّواية ساعي بريد تنقلها من الصّدور إلى السّطور فكتب ونعم ما كتب.