كما لو أننا في أحد مسلسلات الرسوم المتحركة أو أحد أفلام الأطفال الخيالية: نرتمي خارج مقاعدنا ونعود إليها ثم تلحقُنا بقيةُ أعضائنا المخلّعة و«المفرطعة»، لكن إلى غير مواضعها؛ فالأذن تستقرّ مكان العين، والأنف يتزحلق نحو الفم، والعيون «كل وحدة بديرة» واحدة في الشرق والثانية في الغرب تدوران مثل (دواليب) الحظّ، فيما شفاهنا تبتسم «لا حزناً ولا فرحاً» ولا هي بالابتسامة الغامضة مثل ابتسامة «الموناليزا» إنما تبقى عالقةً على سقف (الباص) مثل طابعٍ بريديّ مُخصّص ليوم الضحك العالمي!.
هذا ما يحصل مع بعض «سائقي المبيت/ الجولات» في جهات ومؤسسات عامة كما همس لنا البعض يتعاملون مع «باصاتهم» كما لو أنها سببُ شقائهم وبؤس حياتهم، يُنكِّلون بها كلما كانوا منزعجين من مديريهم أو زملائهم، يدوسون بأرجلٍ من قهر وغضب على (دوّاسة) البنزين كأنهم يدوسون على مشكلاتهم العائلية أو كأنهم ينتقمون من زوجاتهم والزمن العاطل الذي وضعهم في دروب بعضهم!.
لا يتركون حفرةً إلا ويمرّون فوقَها بحيث نشعر نحن الموظفين كأننا وقعنا في حفرةٍ حفرها إخوتُنا مهندسو الطرقات نكايةً بنا وبمَن خلّفنا! لا يتركون مطبّاً إلا ويسرعون نحوه كأن لهم ثأراً معه، فيما العاملات الحوامل يصرخن صرخات المخاض ممسكاتٍ بشعر زميلاتهنّ، والعمال المساكين يتشبّثون بأكمام بعضهم وهم يستنجدون ويبتهلون في قلوبهم أن يصلوا إلى بيوتهم وعظامهم سليمة وأطرافهم في مكانها!.
هل ذكرتُ لكم كمية الغبار المتراكم على المقاعد؟ هل ذكرت لكم ضيقَ المقاعد كما لو أنها (باصاتٌ) مخصصة لروضات الصغار أو كأنها «ماكيت/نموذج باص» للعرض في متحف «الأنتيكا»؟.. هل ذكرت لكم سقفَ أحد الباصات الذي أكله النمل وترك الراكبين فيه يغرقون في أمطار الشتوية؟ هل حكيت لكم قصة المحرك الذي صار يغلي ويرعدُ ويقصفُ مثل «دِست» الملعون شرشبيل في حكاية «السنافر» وكيف «سَنْفر» الموظفون قبل أن يفقع وتفقع المرارت .. من الضحك!؟.
يوماً ما كان الشاعر الراحل الماغوط في زيارة إلى إحدى المؤسسات العامة وأراد المدير أن يكرمه، فطلب من أحد السائقين توصيله إلى منزله، وخلال الرحلة لم يترك السائق مطبّاً أو حفرةً تعتب عليه، فيما الماغوط لم ينبس بكلمة حتى وصل، لكنه قبل أن ينزل سأل السائق مازحاً: «يا رجل كم حادث بتعمل بالتنكة؟».