قديماً كان العرب يقدِّمون للضيف فنجان القهوة مع كأس الماء، فإن شرب الماء قبله، يعلمون أنه جائع، فيعدون له الطعام، وإن حصل العكس وشرب القهوة أولاً، فيعني أنه “شبعان”.
هذه الرمزية لفنجان القهوة، كانت تعني الترحيب باستقبال الضيف والقيام بواجبه، لكن “فنجاننا” اليوم اختلف عن فنجان أجدادنا، فلم يعد للحفاوة باستقبال الضيف فقط، وإنما صار مفتاحاً للحفاوة باستقبال” المعلوم” من مراجع قصد صاحب”ضمير” في تسيير معاملة !.
وكما التطور طال كل شيء فقد طال الفنجان أيضاً، فبعد أن كان ثمنه يدسّ خلسة في الجيب، استوطن لفترة بين أوراق مصنف يدور في أكثر من مكان لإنجازه، ثم صار صاحب الجيب السابق يقتطعه بنفسه، وطبعاً أسعار القهوة زادت وعلى المراجع أن يكون لمّاحاً، و”كله نظر” ويواكب تلك الزيادات بحلحلة “كيسه”!.
في يومنا هذا لم يعد ثمن الفنجان كافياً، ولا مصطلحات” أنا من طرف فلان، أو”بيسلّم عليك البابا”، فهذه لم تعد تنفع، وإن كان البعض لا يصدق ذلك، فما عليه إلّا تجريب تسيير معاملة في بعض المديريات، ليرى بأم العين كيف يشترط العاملون فيها ومن دون خوف مبالغ لا ترحم، وعلى الملأ، وطبعاً المبررات جاهزة و”معلّبة”، إنها ظروف الحياة و”بدنا نعيش”، فيما المحاسبة غائبة من المعنيين في تلك المديرية أو سواها، وكلّ بحسابه، فتراها سلسلة، كل حلقة فيها لها الحق أن تستفيد لتغض الطرف عن الحلقة الأدنى منها في المسؤولية، وهكذا تصبح متوالية، قد لا يكون معروفاً أين تنتهي، ولكن معروف أن هناك مثلاً يقول: “حين يتجرأ الفأر على مواجهة القطّ، فاعلم أنّ هناك جحراً قريباً منه”.. واللبيب من الإشارة يفهم..!
غيداء حسن
68 المشاركات