يندرج إطلاق اللحية وحلاقتها في سياق الحرّية الشخصية التي تتيح للمرء أن يختار ما يراه مناسباً لشكله الخارجي الذي يواجه به العالم، ويريد من خلاله أيضاً أن يتعرّفه به الآخرون. ويضاف إلى ذلك ارتباط المظهر الخارجي بتطوّرات الزيّ، والمعاودات الدورية للأزياء التي انصرم عهدها، وإن كانت المعاودة مرتبطة بتغييرات طفيفة، كالتحسينات واللمسات الخفيّة التي يضعها المصممون بما يراعي طبيعة العصر الذي يعيشون فيه. وهذا ما أشارت إليه دراسة إنكليزية في مطلع القرن العشرين للأزياء الرائجة في عصرها، واستعرضت الدراسة منحى التطوّر الذي التزمه مصممو الأزياء للرجال والنساء خلال مئتي عام، موثّقة بالصور، باستثناء ستة أعوام فُقدت فيها الصور الدالة على موضوعها. وخلصت الدراسة إلى وجود معاودة دورية للأزياء التي بدا أنّ عهدها كان قد انصرم منذ عشرات السنين.
وفيما يتعلّق بحلاقة لحى الرجال، فمن المؤكّد أنّ ذلك لم يكن وليد هذا العصر، ولم يكن وليد الاقتداء بالأنموذج الأوروبي، فالصور والتماثيل الدالة على العهود القديمة التي شهدتها منطقتنا تشير إلى أن حلاقة لحى الرجال، وشواربهم، كانت هي الأكثر شيوعاً في مرحلة سيطرة روما على كامل حوض المتوسّط، وكانت قبلئذٍ قائمة في مصر الفرعونية، واتّخذت عبر العصور أشكالاً مختلفة مرتبطة عموماً بالنظرة السائدة إلى الأنموذج الجمالي الذي يجب أن يكون عليه الرجال، مع اقتران ذلك، في عصرنا العمليّ، بمسألتي النظافة الشخصية وتقليص الوقت المخصّص للعناية بالمظهر الخارجي؛ فالعناية باللحية تشذيباً وتنظيفاً يقتضي وقتاً لا تتيحه الحياة المكتظة بالعمل ومقتضياته، مع إطلاق دلالة العمل إلى مختلف الحقول التي يجتابها النشاط البشري.
الملفت للنظر في السنوات الأخيرة كثرة اللجوء إلى إطلاق اللحى، وتحميلها محاميل ثقافية شتى، يتّخذ بعضها منحى دينياً، والملفت للنظر أيضاً ما يمكن أن نسمّيه تحسّس (الدراما السورية) لانتشار إطلاق اللحى التي يبدو بعضها إهمالاً للمظهر الخارجي للمرء، بما في ذلك إهمال مسألة النظافة الشخصيّة، خلافاً لما تبدو عليه الدعايات التجارية السمجة التي تعرضها القنوات التلفزيونية الرسمية التي يبدو فيها الشباب على وجه العموم بلحى معتنى بها بصورة فائقة، وكأنّ هذه الدعايات تبشّر بما يجب أن يكون عليه مظهر الرجل السوري من التزام صارم بإطلاق اللحية، بما يبدو تملّقاً لبعض مجتمعات الخليج، وما شابهها. مع الانتباه إلى أنّ الظاهرة ليست ذات شأن بوصفها مجرد طفوٍ على السطوح، لكنّها – أياً كانت – تستدعي البحث في الأسس العميقة التي جعلتها تطفو على سطوحها.