آراء في الدّراما الرّائجة ..!!
ردود أفعال كثيرة رافقت الموسم الرّمضاني الحالي منذ بدايته ـ كما كلّ عام ـ لاسيّما لدى من كان ينتظر عام التّعافي الدّرامي بعد زوال ظروف قاسية عانى منها المعنيون بهذا الشّأن بسبب الحرب على سورية وتبعاتها وانعكاساتها على الفكرة والإخراج والنّص والممثلين وظروف التّصوير، والملاحظ هو التباين الشّديد في هذه الآراء وربّما التّناقض فحتّى الأعمال الدّرامية الّتي تحظى بنسبة مشاهدة عالية يسجّل متابعوها ملاحظاتهم عند الخوض في التّفاصيل.
وفي الوقت الّذي كنّا نعدّ الدّراما ـ سوريّاً على الأقل ـ فنّاً له رسالته الاجتماعيّة خصوصاً، يرى البعض أن ما يقدّم اليوم ليس إلا “أكشن مفتعل”، يقول المسرحي الدّكتور عجاج سليم: الفنّ فعلٌ مقدسٌ.. دراما 2021 دراما المبالغة والأكشن المفتعل والأداء الخارجي الفجّ والصّراخ والعنف والجرائم، وهذه سمة درامية عربية.. للأسف، الدّراما وصنّاع الدّراما يسعون وراء المكاسب المادّية والشّهرة فقط، من دون النّظر إلى خطورة ما تقدّمه الشّاشات لأجيالٍ عربيةٍ لا تقرأ, بل تستلهم كلّ ثقافتها من التّلفزيون.
وكما كلّ عام تأخذ دراما البيئة الشّامية نصيبها من المراقبة والمتابعة والنّقد، يقول المخرج والشّاعر علي العقباني: في دراما رمضان ٢٠٢١ بيئة شاميّة لا تقدّم جديداً على مستوى الحكاية، لكنّها تحاول على مستوى الصّورة والدّيكور والتّمثيل.. واقعيات ملتبسة لما بعد الحرب على سورية.. العودة إلى التّاريخ القريب بمقاربة جغرافية وتاريخية مختلفة.. العالم السّفلي المسكوت عنه في الإعلام والحياة وتشابكاته مع العالم العلوي.. صعود وهبوط منظومات فكرية ومالية…أحلام شباب مبعثرة.. سياقات تبدو من عالم آخر خارج واقع اليومي والمعاش والغارق في البحث عن احتياجات حياتية، والغارق أيضاً في ظلام يزيد عن نصف يومه.. أعتقد أنّ الدّراما اليوم والتي تقول إنّها تقدّم النّاس غير متابعة من هؤلاء النّاس وغير مهتمين بها وهمومهم فوق دراما وأكثر تعقيداً!!.
هموم نبشها علي وجيه ويامن الحجلي وقدّماها “على صفيح ساخن” كما يفعل النّباشون فعلاً في قمامة الحياة ـ حسب العقباني، ويضيف: يذهب الكاتبان في هذا العمل الشيّق نحو تشكيلات اجتماعية مسكوت عنها في النّص الدّرامي بمختلف تجليّاته وكذلك مسكوت أو مغمض الطّرف عنها على المستوى الحكومي والإنساني والأخلاقي، ليس هذا الواقع من مفرزات الحرب الطّاحنة فقط بل ربّما هو أحد أسبابها.. في هذا العمل ينبش الكاتبان كما يفعل النّباشون في قمامة الحياة التي تتشكّل من عالم الجريمة والمخدرات والجماعات الأصولية التي تحاول تحويل المجتمع إلى ما يشبهها.. عالم متداخل ومتشابك نعرف معظم تفاصيله ومنعكساته ومآلاته.. عالم قاس ومؤلم ومن دون أفق وأمل كاذب أو مخادع.. منظومات تعيث فساداً وخلايا في مفاصل حياتنا متوازية مع ثقافة التّفاهة.. الكلّ شريك هنا.. والكلّ على صفيح ساخن..
ويشيد العقباني بمخرج العمل فيقول: سيف الدّين سبيعي يمسك بتلافيف نصّ محرّض على الاشتغال البصري على كلّ المستويات يترافق مع ممثلين آمنوا بالشّخصيات التي يقدمونها فقدموا أداءً أفضل ما لديهم أطفالاً وقامات.. على صفيح ساخن عمل تلفزيوني محرض ومسائل ومشغول بحب وذكاء حاضرين بكلّ التّفاصيل..
وبالخوض في تفاصيل بعض الأعمال من غرافيك وغيره، تمنّت المسرحية مجدولين حبيب على المسؤولين عن المكياج والغرافيك في مسلسل “حارة القبّة” أن يحضروا فيلم ” germane man ” ثمّ يتركوا هذه المصلحة.
وتتابع حبيب: بعدما حضرت تسع حلقات من كلّ المسلسلات السورية تقريباً، أحبّ أن أٌقول لكم دمتم بعافية و”ماقصرتوا”!!.. للحقيقة أنا أشعر بالنّدم الشّديد لأنّي أضعت وقتي، وضيّعت على نفسي مشاهدة الدّراما المصرية التي وللأسف سبقتنا بمراحل.. حبيب التي تمنّت الشّفاء العاجل للدّراما السّورية، استشهدت بالعمل المصري “نيوتن”، ونوّهت بتفاصيل صرنا نفتقدها في الدّراما المحلية، تقول: سيناريو العمل محبوك جدّاً وفكرته جديدة وأحداثه متسارعة استطاعت أن تجعلني أشاهد عشر حلقات خلال يومين.. حركة كاميرا هادئة وطبيعية.. كادر نظيف وصورة حلوة.. الانتقال من مشاهد الحاضر ومشاهد ذكريات الماضي مدروس وفي توقيته الصّحيح، كذلك هناك اشتغال على تفاصيل الحالات النّفسية لكلّ شخصية.
وتشيد حبيب بالشّكل الطّبيعي للممثلين والتّحرر من “الشّفايف المنفوخة” والخصر المرسوم ، ومن شكل البطل مفتول العضلات ذي الشّعر النّاعم والوجه الجميل، كذلك التّحرر من الشّخصيات المصطنعة، وإيجاد شخصيات حياتية طبيعيّة بعيداً عن المبالغة، مضيفةً: صوت الشّخصية السّلبية ونظراتها طبيعية جداً، ولم يتمّ الاعتماد على صوت مصطنع عريض وخشن ونظرات حادّة..
الأعمال المشتركة هذا العام كما الأعوام السّابقة تضيع بعض أفكارها بسبب ضعف الأداء، تقول حبيب هنا: في العمل الدّرامي “عشرين عشرين” تؤدّي نادين نجيم شخصيةً مركّبةً وصعبةً وتحتاج للبحث والتّعب، حيث تؤدّي شخصيتين بشخصيّة واحدة، شخصية رئيسة وهي ضابط لابدّ أن تتمتع بالقوّة والحضور والهيبة، ودور فتاة مسكينة وضعيفة ومكسورة، أي يجب ألّا “تفلت” منها الشّخصية الرّئيسة لأنّها متخفية وتعرف نفسها من تكون في الأصل أي يجب ألّا تكون شخصية منفصمة.. “المخضرمة العالمية” نادين نجيم لا تفرّق بين الشّخصيتين إلّا بتغيير ملابسها.. الدّور كبير وثقيل جدّاً عليك “يا حياتي”!!!