“قميص الشّغف” لسمر تغلبي .. أفكار ترتد قصائد
“قميص الشّغف” عنوان رئيس للوليد الجديد للشّاعرة سمر تغلبي و”ارتدادات” هو العنوان الفرعي له، وبعبارة “مئة قصيدة وقصيدة” تصنّف تغلبي مجموعتها عوضاً عن قولها شعر أو قصة أو نصوص وما إلى ذلك من التّصنيفات الأصيلة والجديدة، لتقع لاحقاً في فخ تعريف المعرّف مرّة أخرى في الصّفحة الثّالثة فنقرأ: “ألق قميص الشّغف على وجه فكرة يرتّد قصيدة” أو ربّما هي رغبة الوصول السّليم والصّحيح إلى القارئ، وإن كان الشّرح في الشّعر ليس محبباً وهي العارفة به فتقول غير متعصّبة لجنسها:
أنا شاعر أقتات شعراً إنّما
يقتات من شعرٍ له متشاعر
وتقول أيضاً:
الشّعر يغلي في دمي لكّنه
أبى الخروج ليملأ الأسماعا
ساءلته: فيم التّهيب قال: لن
تلقى انسكابي من لهاتي شاعا
فابحث عن السّمع النزيه وبعدها
سيكون أمرك في الحروف مطاعا
وتكتفي بانتهاء المعنى على خلاف مجموعتها السّابقة “مخاض إثم”، وتختصر لدرجة أنّها لا تعطي عنواناً للقصيدة بل تعطيها رقماً من الواحد إلى المئة وواحد ربّما حال القصائد كحالنا حيث بقينا مجرد أرقام في هذه الحياة، تقول:
بان الحبيب وخافقي معلول
والبوح في عرف الهوى مقبول
أدمى فؤادي إذ أشاح بوجهه
أترى جفاني؟ أم تراه خجول
تتنقل تغلبي بين مواضيع كثيرة، مرّة بالعموم ومرّة تحدد حدثاً ما، كما في القصيدة رقم 76 حيث تنظم وبعد تمهيد مختصر تقول فيه: اعتداءات “إسرائيلية” متكررة غزت سماء دمشق ليلاً:
صوت انفجارات وقلب يخفق
يارب لطفاً فالسماء تشقق
شوق الشّآم إلى السّلام
مسطر في اللوح
لكن لو خرقتم نخرق
وتطوّع تغلبي الحرف والكلمة لتنقل صوراً من الحياة اليومية التي نعيشها ومنها الانقطاع المتواصل للتّيار الكهربائي، فنقرأ في القصيدة رقم “40 “:
الليل لباس وسبات
هو قول الله القهّار
لكن في الحر نخالفه
يكوينا قطع التيار
فنساهر حرفاً يجمعنا
بسمير الشّعر وسمّار
وحول تأثير هذا الواقع على كتابة الشّعر، تنظم تغلبي القصيدة رقم 51:
عتم وسعال وكآبة
لا وحي الشّعر يراودني
أو حتى أستطيع كتابة
ظروف صعبة وقاسية نسير معها بقلقها وحزنها ورغبتنا بالبقاء، تقول تغلبي:
ماضي ويومي ويرسو العمر في غده
يأبى انطفاء الجوى والجمر مستبق
إن كان لا يرتجى دفعاً مقدّره
فاصدع لقلبي وارحل عنّه يا قلق
وتقول أيضاً:
إذا متّ قهراً قالوا: سمر
رمى العمر أيّامها للقدر
صهول بتول عطوف شغوف
تسامت فتاهت طواها الخبر
حزن كبير لا يفارق الحروف والكلمات وربّما هذا هو حالنا جميعاً بعد سنوات حرب على سورية تلاها حصار اقتصادي ظالم سرق الفرحة من الجميع ولاسيّما الأطفال، تقول في القصيدة رقم 84:
ياعيد أقبل بانشراح
فالشّام أضنتها الجراح
والطّفل قد وارى الطّفولة
فاسقه فرحاً براح
وتقول في القصيدة رقم 46:
دمعي صديقي كم وفى
يأبى الفراق وما غفا
مهما بهجر خنته
ألقاه ينسيني الجفا
مواجهاً لكلّ القهر والألم يقف الحبّ منتظراً من ينهل منه ويرويه، تقول:
زيدوا القلوب
من القوافي شربةً
فالرّوح ظمأى
والحروف غدير
وتقول:
ماذا لو أنّ الحبّ ملءُ دفاتري
والقلب لا يهوى سوى أوراقي
أسرفت في عشق الجمال مجرّداً
حتى اشتكاني الحبّ من إشفاق
ونثرتُ شوقاً في الحروف تجمّلاً
لكنّها منفيّة أشواقي
وبلمسات أنثوية من إسراء شحّود تغلّف سمر تغلبي مجموعتها الصاّدرة عن دار “توتول” للطّباعة والنّشر والتّوزيع ـ طبعة أولى 2021، والتي يقدّم لها الأديب رياض طبرة وممّا كتب تحت عنوان: “حين يصير الشغف قصيدة” نقتطف: بين يديّ القارئ مجموعة شعرية تقدّم نفسها بنفسها وهي سلفاً صورة عن الشّاعرة بهدوئها ورصانتها وتكثيف حروفها ووسطيتها العريقة عراقة دمشق ورسالة المحبة التي حملتها.. وهي باختيارها القصيدة القصيرة جدّاً قد أفلحت في مجاراة الحداثة من حيث متطلباتها بالتّكثيف والإنجاز والإدهاش، وإن حافظت على شكل القصيدة التّقليدي وحاكت في كثير من المطالع قصائد الشّعراء الأقدمين:
بشامي همت فانحنت القوافي
وأورقتِ السّنابل في الفيافي