الممثل والمخرج أحمد منصور يغادر “خشبة الحياة”
من لم يشاهد الراحل أحمد منصور (1941- 2021) على خشبة المسرح لم يشاهد تمثيلاً على الإطلاق، بخاصة في مسرحية «الملك هو الملك» للكاتب الراحل سعد الله ونوس، إخراج فرحان بلبل، لفرقة المسرح العمالي في حمص أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، في دور التاجر «أبو عزة» الذي تآمر عليه شهبندر التجار وقاضي البلاد والشيخ طه فذهبت ثروته، وركبته الديون لخادمه عرقوب، وبعد أن اصطحبهما الملك ووزيره ليكونا ضيفين على الملك، ولكثرة ما شرب من الخمرة نام، فوضعوه على مخدع الملك، وطلبا من عرقوب ارتداء لباس الوزير، وأن المسألة كلها لترفيه الملك وحذّراه من إفساد الأمر، وطلبا منه معاملة «أبو عزة» على أنه الملك، ودخلا هما اللعبة على أنهما من ندماء الملك، لكن «أبا عزة» ما إن يستيقظ ويلبسانه رداء الملك، حتى يسارع إلى إتقان دوره وفرض سلطته على جميع حاشيته وعلى مسؤول الأمن في البلاد وعلى الملكة، ولا تزال حركة أصابع قدمي الراحل منصور وهو يستيقظ في ذلك المشهد الذي يحدث خلال التحوّل بين الشخصيتين من أجمل المشاهد في الذاكرة.
خمس نجوم
وكان الراحل أحمد منصور الذي غادرنا صباح الإثنين الفائت، والذي تعد فرقة المسرح العمالي انطلاقته الحقيقية على خشبة المسرح كأحد أعضائها المؤسسين لها عام 1973 والفاعلين فيها ممثلاً، ومخرجاً لمسرحيات الأطفال، قد بدأ مسيرته الفنية من فوج كشفي ثم من نادي دار الفنون ونادي دوحة الميماس، وقدّم خلال مسيرته أكثر من عشرين مسرحية، وأخرج العديد للأطفال، وللكبار في مسرح الشبيبة، ويعتبره بعض الممثلين والممثلات الذين صاروا في صدر مشهد الدراما التلفزيونية أستاذاً لهم، تلقوا فن التمثيل منه على خشبة المسرح.
وشارك الفنان الراحل في أعمال تلفزيونية كثيرة وفي أعمال مهمة ولاقت حضوراً ومتابعة من مثل «الدغري» ، «أخوة التراب» ، «عيلة خمس نجوم»، الذي جسد فيه شخصية والد فرحان، كشخصية حمصية أعطته الكثير من الحضور، وهو الذي تنوعت مشاركاته في أعمال معاصرة وتاريخية واجتماعية وكوميدية وبيئة شامية.
يتقن الأداء بالعربية الفصحى، إلاّ أن لكنته الحمصية كعلامة مسجلة كانت حاضرة في لهجته المحكية في كل الأعمال التي اعتمدت المحكية، وهو عادة يعيش الشخصية الموكلة إليه بكل أبعادها ويعطيها من روحه، شارك في أعمال معظم المخرجين السوريين: هيثم حقي، هشام شربتجي، نجدت أنزور، حاتم علي، محمد فردوس الأتاسي، بسام الملا، مأمون البني، محمد زهير رجب، والمثنى صبح.
«يتراشقون الحجارة»
وإن لم تخن الذاكرة؛ فإنّ آخر مسرحية جسدها كانت مونودراما «محاكمة فرحان بلبل» عام 2007، من إخراج الراحل محمد بري العواني وإعداده من الملامح الأساسية لأربع شخصيات من أربع مسرحيات قدمتها فرقة المسرح العمالي، وكان آخر عرض أخرجه لمسرح الشبيبة مسرحية «الممثلون يتراشقون الحجارة» للكاتب فرحان بلبل، قبل ذلك بعدة سنوات، لكنه لم ينقطع عن متابعة العروض والمهرجانات المسرحية، وكان قد شغل منصب رئيس نقابة الفنانين في حمص لدورة انتخابية، وكنا في حينها نطرب وسنبقى لجملته المميزة (اعملونا رَشَقْ شاي) كلما أراد تقديم ضيافة لنا.
وللراحل أبو جاسم كما اعتاد الناس مخاطبته مكانة طيبة لدى جميع المسرحيين في المدينة لمسناها في نعي معظم من نعرفهم، له على صفحاتهم الخاصة بطيب الكلام.
نعم خسرت حمص- وليست فرقة المسرح العمالي فقط- أحد أبرز نجومها، وستفتقده مجالس اتحاد الكتّاب العرب، ونقابة الفنانين، ونادي دوحة الميماس، فلم يعد من الممكن أن نسمع تلك الطرائف التي كان يرويها لنا مما كان يحدث معهم في جولات فرقة المسرح العمالي إلى شمال سورية حيث حقول النفط، ولا إلى ذلك الشعر البدوي الذي كان يجيد إلقاءه حتى تحسب أنه صاحب الشعر، فلك يا صديق الجميع « رَشَقْ محبة » منا جميعاً.