ثُمانية “قيد مجهول”.. ولادة مخرج برسالة مرتبكة!

من المؤكد أننا بمشاهدتنا الدراما التشويقية لـ ” قيد مجهول” الذي عرضته بعض المنصات مؤخراً، سعدنا بولادة مخرج تلفزيوني جديد، والتي أضافت اسم الممثل السدير مسعود إلى من سبقه من الزملاء الذين انتقلوا من التمثيل إلى الإخراج، وهو ممثل واعد بالكثير من التميّز وفق ما شاهدنا له من مشاركات في عملين هما “مقابلة مع السيد آدم” وفي إحدى سداسيات “عن الهوى والجوى” وهما من إخراج فادي سليم. حاولت ثُمانية “قيد مجهول” أن تختصر المسلسلات إلى الحد الممكن رغم وجود محاولات سابقة وصلت إلى 15 حلقة أو 10 حلقات، لكن هذه الثمانية رغم ما توافر فيها من إتقان بالسينوغرافيا في المشاهد التي تابعناه في تلك الحلقات، وفي اختيار أماكن التصوير، وفي اللقطات والمونتاج، وفي أداء تمثيلي مفعم بأبعاد الشخصيات الفكرية والنفسية والشعورية من قبل كل فريق التمثيل، نرى أنها طويلة أيضاً، فما تناولته يناسب فيلماً ومتلقياً سينمائياً أكثر منه متلقياً لمسلسل تلفزيوني. فالموضوعة التي تناولتها جداً خاصة، وليس كما توهمنا مع بدء أحداثها قبل أن نكتشف شيئاً فشيئاً أن شخصية “سمير/ عبد المنعم عمايري” تعاني ” اضطراب الهوية التفارقي”، وفق توصيفها من قبل الطبيب النفسي “أوس / أسامة حلال”. فلقد ظننا في البدء أن “الثمانية” ستعرض الحياة من ثلاث مستويات، مستوى الإنسان المقهور والفقير، الذي يعمل ليلاً على تكسي ونهاراً في مشغل خياطة (سمير)، ومستوى الإنسان النصّاب ” يزن / باسل خياط” الذي يستولي على جهد صديقه سمير وأحلامه، المجهضة بالأساس من قبل شريحة متنفّذة مالياً وسلطوياً “د. حسان / عدنان أبو الشامات” ومن يماثله “مثنى/ ميلاد يوسف”، إلاّ أن المسلسل أخذنا باتجاه آخر لشخصية قد لا تتصرف على النحو الذي شاهدناه.
معالجة أخرى
فتناول موضوعة لها علاقة بعلم النفس إن لم تكن الإصابة بها شائعة، ولا اتجاه سلوكها صحيحاً، فلن تجد تلقياً جيداً وأثراً في نفوس المشاهدين. ثم من حق أي مشاهد أن يتساءل ما الرسالة التي أرادت هذه الثمانية أن توصلها لنا؟ فأن يصاب شخص بهذا المرض ويتجه نحو قتل كل شخص أساء له أو توجّه له بإهانة وتعنيف، يعتبر أمراً خطيراً. فهل أراد المسلسل أن يقول لمن يقومون بأفعال الإهانة والتعنيف احذروا مَنْ تعنفونهم؟! فرسالة هذه “الثمانية” تبدو مرتبكة..! وكان يمكن أن تتجسد بأن ثمة أشخاصاً يعيشون ما يشتهون، نتيجة الحرمان والضغوط النفسية والقهر الذي يتعرضون له، من خلال شخصيات يتخيلونها، ويعوضون من خلالها ما ينقصهم، ولا يجرؤون بشخصياتهم الأساسية أن يقدموا عليه، لكن ذلك يحتاج لمعالجة درامية غير التي شاهدنا. بمعنى أنها كان يفترض أن تكون دراما بدون عمل إجرامي واقعي، ويظل ارتكابها فقط في خيال الشخصية. أمّا وفق ما شاهدنا فنشير إلى أن “قيد مجهول” وفق المعالجة التي قدّمها وقع في أكثر من خطأ على صعيد عرض شخصية سمير، من الناحية الفنية، بمعنى كيف تجسدت هذه الشخصية باسم “يزن”، لنا كمشاهدين وللآخرين الذين عانوا تصرفاتها.؟. لقد غفل الكاتبان محمد أبو لبن ولواء يازجي، والمخرج، عن أن لا صائغ في أيامنا هذه إلاّ ولديه كاميرا مراقبة، وبالتالي عدم وجودها غير المقنع هو من سهّل فنياً استمرار البحث عن شخصية يزن، ناهيك عن عدم الاستعانة بالرسّام الذي عادة ما تتم الاستعانة به من قبل الجنائية للكشف عن ملامح القاتل الذي تطارده، في حين اكتفى ” قيد مجهول” بعرض أحد المحققين على الصائغ صور بعض المشبوهين للتعرف على “يزن” الذي جاء يبيعه خاتماً فريداً سلبه من القتيل.
عثرات وأسئلة
كما أخطأ المخرج وهو يرينا أن الجنائية تطارد “يزن” بعد أن شعر بوصولها، إذ من المفترض بالكاميرا أن ترصد شخصاً يهرب دون أن نرى ملامحه، وترصد فقط مطاردة الضابط وعناصره له، إضافة إلى ضرورة شك الضابط “خلدون/ إيهاب شعبان” بسمير منذ أن زاره في بيته للتحقيق معه لأنه رآه من الخلف وهو يطارده، لأنه لم يطارد يزن، غير الموجود مادياً بغير ذهن سمير!. كما لنا الحق أن نسأل لماذا تم تغييب أي مظهر من مظاهر هذا المرض؟ وهذا ما جعل زوجته “منال/ نظلي الرواس”، ولا من يعمل معه في مشغل الخياطة أن ينتبهوا لسلوكه..! كما لم تقدم هذه الثمانية أية إشارة لنفهم أسباب سلوك “ملك / شهد الزلق” طفلة سمير، بتخبئة المال الذي استدانته الزوجة من شقيقها، في مكان بعيد عن المنزل، ثم أخذته فيما بعد دون أن نعرف إلى أين ذهبت طفلة بعمرها وحدها؟
كل تلك الأسئلة مع الأسف لا إجابات عليها، ما يلغي نصف المتعة التي يفترض أن تصلنا. فلعلنا نشاهد تجربة إخراجية ثانية للفنان “السدير مسعود” دون أن نطرح على أنفسنا أسئلة من قبيل ما سلف، تجربة تحرّض تفكيرنا نحو مسائل أكثر فائدة، يفترض بالفن أن يأخذ بأيدينا نحوها كمشاهدين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار