مسرحية «العرس» متعة كان ينقصها إعداد آخر
بعد كلمات الافتتاح لليوم العالمي للمسرح التي قرأها رئيس نقابة الفنانين في حمص الفنان أمين رومية، وقراءة كلمة الممثلة هلين ميرين التي كتبت هذا العام كلمة احتفالية اليوم العالمي للمسرح, والتي قرأها الممثل تمام العواني، جرى العرض المسرحي العرس» لفرقة إشبيلية التي باتت تابعة لنقابة المحامين, النص لـ«تشيخوف», والإخراج للمحامي والممثل فهد الرحمون، الذي سبق أن أخرج للفرقة أكثر من عرض، كما مثّل في بعض عروضها السابقة.
وهنا ننوه أولاً إلى التقدير الجميل الذي فعلته الفرقة لأحد أعضائها الراحلين، إذ أهدت مسرحيتها هذه إلى روح الفنان عزيز حولاني الذي اشتهر بـ«سانشو»، اسم الشخصية التي لعبها في مسرحية «دون كيشوت».
تأجيل المكاشفة
افتتح العرض كما افتتح العرض السابق للفرقة «اللص الظريف» لمؤلفه داريفو، الذي قدم عام 2018 في الدورة الأخيرة من مهرجان حمص المسرحي، بمشهد رقص جماعي للشخصيات، ومناسبتها في عرض «العرس» زفة العروس للعريس، وهو مشهد يدخل البهجة إلى قلوب المشاهدين، ما يعني حرص المخرج على جانب المتعة والفرح في العروض المسرحية التي يتولى إخراجها، ثم عاد كل الممثلين والممثلات إلى الكواليس لتعود بشكل إفرادي لتجسيد شخصياتها وهي تستعد لإقامة حفل يليق بالعروسين، وكان ما كشفه الفضاء المسرحي يشي بذلك فقد امتلأ بمنصة سيجلس عليها العروسان ، ويوجد أيضاً طاولتان امتلأتا ببعض الطعام والفاكهة والشراب, لكن الحوار الأول الذي دار بين العريس وأم العروس شوّه متعة الكشف للمتفرجين مما أراد العرض تعريته وهو الفساد والنفاق الاجتماعيان الذي يمكن سحبه على أي مجتمع, وكان حرياً بالمخرج أن يؤخر هذا الحوار بطريقة ما من خلال الإعداد، إذ سرعان ما كشف لنا هذا الحوار أن العريس «أبلومباف/ حسن سرور» بلا أخلاق، فقد اشترط على أم العريس «نستاسيا/ ديانا منعم» ليقبل بالعروس أن يتم تأثيث المنزل ببعض حاجياته على حساب عائلتها، وأن أم العريس قد دفعت لأحد السماسرة «نيونين/ علي دياب» مبلغاً من المال ليحضر أحد الجنرالات لكي يتم التباهي به في الحفل، كما يحدث في أكثر من مجتمع بحالات مشابهة في التجمّل والتمظهر غير الحقيقي للوضع الاجتماعي لهذه العائلة أو تلك, أي ما نريد قوله إن الحوار كشف بشكل مسبق ما سيقدمه الفعل المسرحي لاحقاً، ما جعل مستوى المتعة الفكرية تنخفض بالنسبة لنا كمشاهدين، وما أضعف البناء الدرامي للعرض إلى حدٍّ ما, أمّا تحقيق العكس فيتطلب إعداداً أكثر إتقاناً مما شاهدنا تجسيداً له, وحتى يتم ذلك كان يجب تأجيل المكاشفة إلى ما بعد مجيء «الجنرال/ رامي جبر» ، والذي كان حضوره محركاً درامياً ومجدداً لحيوية العرض بعد جملة أفعال تكشف لنا بقية شخصيات العرض، مثل والد العروس «جيجلاف/ آصف حمدان» الذي هو في حالة سكر، وعندما ينزعج منه صديقه اليوناني «ديمبا /أمجد خزعل» يطلب منه أن يتحدث عما هو جميل في بلده الأصل، فيقدمان ملامحهما بشكل لطيف، في حين تأتي غزليات «يات/ ثائر محمد» للقابلة القانونية «زيموكينا/ ندى جوخدار» مرحة فيها ما يعبّر عن داخل القلب مشوباً ببعض المبالغة التي تعبّر عن اهتمام غير صافٍ من مصلحة، ويحاول كلٌّ من إشبيني العروس والعريس «حيان بدور، وهادي عيسى» إعادة الجميع إلى جو الاحتفال كلما تشنج وفقد الجو رونق البهجة، وذلك بعزفهما على آلتي الغيتار والكمان.
خلافات وتهكم
وبالعودة لحضور الجنرال الذي أضفى مزيداً من الحركة والحوارات التهكمية، وليكشف بصراحته أنه ليس جنرالاً لكنه يحب البساطة وسرّه أن يشاركهم فرحهم فتكتشف أم العروس أن من كلفته بالمهمة قد احتال عليها بالمبلغ, ولم يأتِ لها بالرجل الذي طلبت، وكانت الكلمة التي تضبط تشويق العرض والتي كانت ستساعد على ما اقترحنا من تأخير كشف شخصية العريس إلى حين كشف شخصية الجنرال، هي كلمة زوجها التي طالما رددها طوال العرض، نحن لا نريد أن نحتال على أحد, ومع كشف الصورة الحقيقية للجنرال تفاقم الخلاف بين الجميع ولاسيما أن العريس وصديقه «يات» كانا قد اختلفا أيضاً خلال فترة انتظار الجنرال، كما اختلف «يات» مع من يدعي حباً لها «زيموكينا» فنهضت كل الحساسيات, وبدأ ما يشبه العراك بين الجميع من دون أن تنفع صرخات أحد الإشبينين بجملة ذكية «أن العرض لم ينته»، وليغادروا الفضاء المسرحي الذي شغلوه حركة ورقصاً وحواراً، ولتظل العروس وحدها على منصة الاحتفال تبكي ودموعها تعلن انتهاء العرض، فتنطفئ الأضواء, ولينسحب مفعول تلك الجملة الذكية على واقع أي مجتمع يقدّم فيه العرض. ونزعم أن الممثلين لو قدموا المسرحية في عروض أخرى، سيكون عملهم منضبطاً بشكل أفضل وتالياً سيكون إحساسهم أعلى، من دون أن ننكر أن العرض قدم المتعة, ولكن كان يمكن أن تكون أفضل بكثير، فنياً وفكرياً.
بطاقة فنية: مساعد المخرج- ثائر محمد، تصميم الإضاءة- محمد الحسين، المكياج- كندا الملحم، تصميم الرقصات- ندى جوخدار، إدارة المنصة- لارا حمادي.