رسالة قوة
لا تزال أصداء اجتماع آلاسكا الأول بين بكين وواشنطن تدوي عالياً، حيث كان للصين الكلمة القوية خلال الاجتماع الصاخب بين الطرفين وثبت الدبلوماسيون الصينيون بقوة في آلاسكا فارضين هيبة الدول القوية اقتصادياً وسياسياً والتي لا تقبل بالخضوع للابتزاز أو الإحراج.
ورغم عدم حدوث انفراجات بين الطرفين خلال اللقاء وبعده، لكن آلاسكا كانت محطة مهمة في إطار إيضاح أمور تفصيلية بين الطرفين من دون أن يغلق باب التفاوض مستقبلاً، لكن الأمور المؤكدة أن هوة عدم الاتفاق لا تزال واسعة جداً بينهما وإن أي اتفاق مستقبلي تستحيل صياغته من دون عزل القضايا عن بعضها البعض ومناقشتها على حدة، خاصة أن الأميركيين يصرون على التدخل في الشؤون الداخلية الصينية تحت مسمى حقوق الإنسان ويخلطون القضايا الاقتصادية مع غيرها بخليط غير مشروع أملاً بانتزاع تنازلات متعددة الجوانب من الجانب الصيني.
تخطى ما حدث في آلاسكا هيئة الاجتماع العادي أو التقليدي إلى منصة لإيصال رسالة بأن الصين موجودة كقوة لا يمكن المساس بهيبتها وهي القادرة على توجيه دفة الأمور عالمياً وعلى الولايات المتحدة القبول بها كلاعب قوي حيث لم تعد لأميركا تلك الهيبة التي تدعيها.
حاول الأميركيون إظهار أنهم صارمون ويوجهون الاجتماع وفقاً لأولوياتهم، لكن في الواقع كان جلياً أن التفوق للصين, حيث كان الجانب الصيني منافساً قوياً بنيات واضحة تماماً للطرف المقابل وتجاوزوا التحدي الأميركي بحزم, والمحطة المقبلة بين البلدين قد تكون بداية لتنظيم أولويات العلاقة بصيغة تتناسب مع ثقل كل منهما.
شكلت اجتماعات آلاسكا الصريحة نمطاً جديداً للقاءات الطرفين مختلفاً تماماً عما مضى في السنوات السابقة من حيث الشكل والمضمون، وبات على واشنطن أن تبذل قصارى جهدها للحفاظ عل تفاهمات صادقة، وأن تثبت أن مصالحها لا تشكل تهديداً للطرف المقابل.
إدراك طبيعة العلاقات بين الطرفين باتت مسألة جوهرية للوصول إلى تنظيم مستقبلي للعلاقات وتقليل التوترات، وقد تكون الرحلة طويلة قبل إخراج صيغة مناسبة للعلاقات واستكشاف تعاون أوسع مستقبلاً.