ميسون شباني:
«أندبوري»، أو مُضطهد، لا رأي له، وربما تسلُقي، أو انتهازي، وربما كاريكاتوري مُضحك .. صور متعددة قدمتها الدراما السورية عن شخصية الصحفي، وبدت قليلة جداً محاولة تقديم مقاربة واضحة، وجادة لكتّاب السلطة الرابعة، وأصحاب الأقلام الجادة، فتنوعت بين الصحفي الباحث عن الحقيقة كالدور الذي قدمته الفنانة «علا الباشا» في مسلسل «دومينو»، وقاربت من خلاله الضغوط التي يتعرض لها الصحفي من سلطات نافذة، أو من بعض المتنفذين، أو صحفي فني مُغامر باحث عن حضور له كرمى للمال وتحقيق زيف الشهرة، كالدور الذي قدمه الفنان «زهير عبد الكريم» في مسلسل «عشتار»، أو صحفي استقصائي مُهمش أثقلته أعباء الحياة اليومية عن عمله كالدور الذي قدمه الفنان «بسام كوسا» في مسلسل «الانتظار»، إضافة إلى أن بعض الأعمال قدمت عيوباً جسيمة في المعالجة الدرامية للصحافة في الدراما، فمثلاً نجد في العديد من المسلسلات الصحفي وهو يقوم بالتحقيق في قضية ما من دون إذن رئيس التحرير، وهذا لا يحدث في مهنة الصحافة، أو نشر خبر من دون موافقة رئيس تحرير الجريدة، فهذا أمرٌ مبالغٌ فيه ولم يحدث، وكتّاب الدراما العاملون في هذا المجال يعرفون هذه الحقائق جيداً، ولا ننكر أن تقديم الصحفي بصورة إيجابية أو سلبية، أو حتى الصورة التي تظهر ازدواجيته في عمله، وفي حياته أمرٌ مباح، فكل الأنماط البشرية، وإن بدت غريبة، فإنها موجودة، ولكن هل قدمتها الدراما السورية كما يجب أم ابتعدت عن واقعيتها ؟
لهذه الأسباب
سؤال يُجيب الناقد الصحفي لؤي سلمان إذ يقول: أغلب أعمال الدراما السورية كانت فيها شخصية الصحفي مشابهة للواقع، ويمكن عدّها مُستمدة من اليومي المعيش، سواء الصحفي المتسلق، أو الصحفي الذي يبحث عن فرصة كما شاهدنا الفنان قصي خولي في مسلسل «قانون ولكن»، كما يُمكن عدّ هذا الدور الذي قام به الخولي جامعاً للكثير من النماذج، فهناك الذي يبدأ في حياته المهنية بالكتابة عن كتب، ومن تلك الكتب ما لا توازي قيمته الثقافية قيمة الورق الذي طبع عليه، والصحفي المُستغل الذي يؤلف الجريمة، ويقابله في الواقع بعض الصحفيين الذين يبحثون عن الفضيحة، أو ينتظرون وفاة شخصية ليجدوا طريقاً معبدة إلى النشر، للأسف لطالما كانت الدراما تنتقد الصحفي، ولا يمكن ظلم الدراما فغالباً ما كانت تستمد حكاياتها من الواقع، وفي رأي سلمان: إنّ الصحافة اليوم بعيدة عن واقعها، وكل ما تكتبه حبر على ورق لا يسمن ولا يغني من جوع؛ لأننا في الحقيقة نفتقد الرأي والرأي الآخر، ويمكن أن يبّدل أي مقال صحفي وأي فكرة واردة فيه حتى يتحول المقال إلى مادة إطناب وتصفيق من دون أن يعلم الكاتب الصحفي بذلك بعد النشر، فغير الرقيب الذاتي المرتعد قلمه؛ هناك جيش من الرقابة: مدير الصفحة، ومدير التحرير، و أمين التحرير، والرقابة عموماً، ويمكن أن يكون الجميع ضد الفكرة والمقال المكتوب، علماً أن المقال لا يمّت إلى السياسة بصلة في بعض الحالات، بل يمكن أن يكون يتحدث عن فنانة (واصلة) أو مطرب مدعوم أطلق أغانيه مُزايداً بطريقة ما، كما يُمكن أن يكون عملاً فنياً سينمائياً أو تلفزيونياً، لذا لا توجد مساحة للنقد إلا من خلال الإطناب، وقبل أن نسأل عن صورة الصحفي في الدراما، علينا أن نسأل إذا كانت هناك منابر ليكتب فيها الصحفي أولاً، وهنا لا نسأل عن الموظف بصفة صحفي، فهو بالتأكيد لا يكتب إلا على القد والقياس، وما ذكر يُفسر لماذا تتهكم الدراما على الصحفي الذي لا يملك من أنواع السلطة إلا الصمت.
إذا أردنا أن نعرف
على العكس من رأي الزميل لؤي؛ يرى الكاتب والصحفي سامر إسماعيل؛ إن الدراما السورية قدمت صوراً متعددة الوجوه، وهذا الموسم وكل موسم درامي تجود مسلسلات التلفزيون على جمهورها بشخصياتٍ عديدة، صحيح أنها قدّمت صوراً متنوعة عن الصحفي ، منها ما بات يُصرّ على تنحيته من الواجهة الاجتماعية عبر كاركترات أقرب إلى «دون كيشوت» يُحارب طواحين بعض السلطات والاغتراب والعجز وسخرية الآخرين، ومنها مَن عزّز حضوره الفاعل في قلب المجتمعات الحديثة، مدينةً انتهازية البعض وتعاليهم على أبناء قومهم، أو مصوّرةً إياهم في دور الضحية، ما يدفعنا للتساؤل عن سبب حرص الدراما التلفزيونية السورية على تقديم صور نمطية ـ في أغلبها ـ عن شخصية الصحفي؛ سؤال يبدو جلياً في رغبة الدراما الخوض في تنوير مجتمعاتها، والإضاءة على شريحة قد تكون حتى الآن مظلومة على شاشات العرض، صورة كانت الدراما السورية قد تناولتها منذ بداياتها، فمن ينسى جملة الصحافي حسني البورظان الشهيرة: «إذا أردنا أن نعرف ماذا في البرازيل يجب أن نعرف ماذا في إيطاليا»، إذ قدّم الراحل نهاد قلعي كتابةً وتمثيلاً شخصية المثقف في صورة مهّدت للعديد من الصور الهزلية لشخصية تعيش وتحب في فندق، من دون أن تتمكن من إتمام العبارة الأولى من مقالتها، بل هي أغرب شخصية يمكن أن تتصدّى لحجم هائل من المقالب التي كان يشربها «البورظان» من «غوار» صبي أوتيل «صح النوم» الشهير من دون أن يرف له جفن.
صورة لن تكون بعيدة في الكوميديا عنها في التراجيديا، لكنها في شخصية «وائل ـ بسام كوسا» في مسلسل «الانتظار» لمؤلفيه حسن سامي اليوسف ونجيب نصير، تتبع كاميرا الليث حجو في هذا العمل محنة مثقف عضوي مندمج مع محيطه، ومنفعل مع مشاكل بسطاء الحي العشوائي، الصحفي الذي يفقد شمل عائلته بعد معارضة زوجته العيش معه في العشوائيات الدمشقية، على عكس ذلك حافظت بعض الأعمال على الصورة الساخرة والضاحكة فقد قدّم «حارة المشرقة» شخصية «منتصر ـ محمد خير الجراح» الصحفي والشاعر الانتهازي التي شاهدها الجمهور غير مرة في العديد من الأعمال، في المقابل لم تغِبْ هنا النماذج النسائية للمرأة المثقفة، حيث قدّم المخرج باسل الخطيب في الموسم الماضي عبر مسلسله «حرائر ـ نص عنود الخالد» شخصية «ماري عجمي ـ حلا رجب» الكاتبة وصاحبة أول نادي نسائي في العالم العربي.
حسب السوق
نختم أخيراً مع هذا الرأي المُختلف للزميلة الكاتبة والصحفية عفراء ميهوب؛ التي أكدت أنّ الإعلام حكاية بدأت مع الوعي لغاية تفتح العقول – وتحقيق أهداف نفترض أنها تقصد جلب المنفعة ودفع الضرر – وقد بلغ أوجه اليوم، يغذيه تدفق المعرفة وتطور وسائل الاتصال.. ويبدو لاحقاً أنه دخل السوق ( ربح – خسارة) وبالتالي إمكانية التلاعب والتضليل، أما عن الصحفي فحدّث ولا حرج: المعوقات عميقة ومتشعبة والحديث عنها طويل وإذا ما أضفنا إليها غياب الكفاءة والنقد فإنه يطول أكثر.. وإذ نتوقف عند (النقد)؛ ندرك أنه من أهم أركان البناء والتطور ويحتاج القدرة والخبرة والمهارة – وهنا بيت القصيد – وكل الخوف أن يحاصره المتعصبون والجهلة فيكون التضليل – بقصد أو غيره..
إن التقليل من شأن أي عمل إنساني أو التعامل مع صاحبه بتهكم وسخريه؛ مؤشر خطر لابد من تداركه لأن العمل والإنتاج الجيد قيمة وشرف وميزة إنسانية لها الصدارة في تطور البشرية، وإذا كان الفكر والثقافة في عوز دائم للجديد المفيد؛ فإن سّر العطالة والمراوحة يكمن في التركيز على العيوب وتغييب الجانب المضيء، بمعنى لابد من الإضاءة والتناول الجاد الملتزم لأي عمل – في الدراما وغيرها – بقصد التقويم وتحديد المسار الصحيح، ومن هنا؛ كل التقدير للصحفي السوري الذي يتمتع بالمصداقية وحمل الأمانة الصحافية والعمل في أقسى الظروف وتبقى (تشرين) نجمة الصباح في كل حين..