رغم أن تعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا يكاد يكون ثانوياً في المشهد السياسي والميداني، إلا أنه تحوّل أمس إلى حدث لافت مع اعتذار المبعوث الأممي الجديد نيكولاي ملادينوف عن «المنصب» بعد أسبوع فقط على إعلان موافقة مجلس الأمن على تعيينه خلفاً للمبعوث السابق غسان سلامة الذي استقال في آذار الماضي.
وأن يكون «التعيين» ثانوياً لا يعني ثانوية دور الأمم المتحدة في رعاية المحادثات التي تجري «على قدم وساق» منذ بداية هذا العام للوصول إلى تسوية سياسية تمهد الطريق لتسوية ميدانية، إذ إن البعثة الأممية تمارس مهامها في ليبيا منذ أشهر من دون مبعوث رسمي، حتى بدا وكأن لا حاجة له.
بكل الأحوال، كان الاعتذار لافتاً، كونه جاء مفاجئاً بالدرجة الأولى، ولأن ملادينوف انتظر أسبوعاً كاملاً قبل أن يعلن اعتذاره، فماذا حدث في هذا الأسبوع؟ خصوصاً وأن ملادينوف لم يصدر منه أي تصريح أو تعليق -ولو كان مقتضباً- عقب إعلان تعيينه، بما في ذلك حول رفضه للتعيين أو احتمال اعتذاره.. وعليه كان لا بد أن تنهال التساؤلات من دون اهتمام لمسألة «الأسباب الشخصية والعائلية» التي يقدمها المسؤول عند تقديم استقالته أو اعتذاره، فهذه الأسباب باتت «كليشة دارجة» يحتمي خلفها للتنصل من تقديم الأسباب الحقيقية.
المختلف الذي حدث مع ملادينوف أنه قرر أن «ينسحب من أولها» فلا يتحمل عناء سنوات من العمل ليصل في النهاية إلى الفشل والاستقالة كما حدث مع المبعوثين الستة الذين سبقوه. ويبدو أن أسبوعاً واحداً كان كافياً لملادينوف ليدرك تعقيد مهمته، والفشل الذي ينتظره، لذلك آثر أن يختار الانسحاب ليعيد «معركة ليبيا في مجلس الأمن» إلى المربع الأول، بمعنى أن يعيد الأطراف الدوليين إلى ميدان الابتزاز والمساومات الذي تعمل الولايات المتحدة على إبقائه مفتوحاً طالما أن «مزاد» المساومات لم ينته لمصلحة مرشح يتآمر معها على ليبيا.
وللتذكير هنا فإن الولايات المتحدة تريد مبعوثين لليبيا، أحدهما يدير عملية التفاوض السياسي، وآخر يدير عملية التفاوض العسكري، وهذا أمر غير مسبوق، وإن كان قد حدث في مرحلة ما، فهو لم يكن رسمياً ولا مُعلناً.
وفق المجريات، ستستمر الأميركية ستيفاني ويليامز في إدارة البعثة الأممية في ليبيا، وفق السياسية الأميركية، التي لن تسمح بالسلام والاستقرار في ليبيا إلا بما يتوافق مع أطماعها وأطماع حلفائها.