واقعيّة سِحريّة!

تأبّطَ «أبو عقل» كيسَه الذي وضع فيه حذاءه وأحذية زوجته وأولاده، بينما ذراعُهُ الثانية تحتضن حقيبته الجلدية التي رافقته منذ دراسته في قسم الصحافة، «يومَ كانَت للحياة نكهة المعمول وبرازق العيد» على حدّ قوله.
كان أوّل من دخلَ إلى محلّ «الإسكافي أبو العبد» في هذا اليوم الماطر. وضَعَ الأحذية في حضن أبي العبد بوجه شبه غائم عليه بقايا كوابيس والكثير من تجاعيد الهموم المعيشية وقال له كمن يُكمل حديثه مع نفسه: «ألا تعتقد أننا في هذا الوضع الخطير الراهن يجب أن نقبض على المفاهيم بحزم وألّا ندع المصطلحات العتيقة تخدعنا بعيوبها وثقوبها وأفكارها المهترئة؟!»
ردّ أبو العبد تحية الصباح هذه بطيبة قلبه المعتادة وبقايا ابتسامةٍ مُستعمَلة وأخرجَ فردة حِذاء من الكيس: أهلين بالأستاذ، والله يا جار، نعم عليهم أن يقبضوا على الحرامي الذي حاول سرقة «الصرامي» من المحلّ، أجلّك الله، انظر يا أستاذنا، أنا أحسَن مَنْ خيّط«صبابيط» مهترئة و«رقّع ثقوبة»، انظر إلى ثقب حذائك كيف سأرقّعه لك ع الليبرة!.
أبو عقل كما لو أنه لا يزال في «كبكوبة» تهويماته: «شوف يا عزيزي، علينا أن نحكّم عقلنا لأنه في ضوء ما تمر به البشرية من تعصّب سياسي وديني لا بدّ من تشغيل العقل لأنه مفتاح الخلاص الوحيد».
أبو العبد (وهو يُخرِجُ المسامير من فمه وهي تخزه وتجرحه فيما بقايا صمغ الشعلة على أصابع يديه وأنفه وجبينه): أي نعم أستاذ، والله كلامك جواهر، أنا عندي مفتاح الغاز الصغير «بايظ» وأصلاً في أزمة غاز ومن 3 شهور ما وصلتني جرّة، والشتوية على الباب. «قولتك بيشغّلو ابني مستخدم بالسياحة»؟!
مع ضربة المطرقة الأخيرة استيقظ أبو عقل من شروده، تأبّطَ حقيبته التحفة، لبس حذاءه مزهوّاً بإعادة تحديثه، شكَرَ أبا العبد وخرجَ وهو يقول في سِرّه:
«فعلاً الحياة بلا حِذاء كارثة، لكن هل يُعقل أنْ أصبح مثل الإسكافي أبي العبد المجنون؟».
فيما أبو العبد بدأ بتصليح حِذاء آخر وهو يتمتم ويهزّ رأسَه مُتحسِّراً ومتعجّباً:
«والله يا عمّي العِلْم فضّلوه على العمل… بس معقول تكون آخرتي متل هالأستاذ المجنون!».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار