هروبٌ إلى الوطنِ
ليست عودةً إلى الرّشدِ بل إعادةٌ تحتَ وطأةِ الأزماتِ… بدقةٍ هذا هو مايحصل- ويجب أن يحصلَ- في خلفياتِ علاقةِ المتمولينَ السوريينَ العابرينَ لحدود بلدهم بحثاً عن مطارحِ إيداعٍ أو توظيفٍ لأموالهم.
فالأكيدُ أن أزمة البنوك اللبنانية لا “جذوة الانتماء” تكفلت باستبقاءِ ماتبقى من حيازات دولارية داخل البلد، والدرس اللبناني فتّح الأذهان على أخطار مماثلة لايبدو أن بلداً من مقاصد المودعين السوريين في منأى عنها.
ولانظنّ أن حال الاستثمارات سيكون أفضل من حال الإيداعات البنكية، بدءاً من “سيخ الشاورما” وصولاً إلى كبريات الشركات التي ذاع صيتها في العالم وتألقت “بدم سوري”، ففي مصر يتعرض السوريّ لحملاتِ تنمّر شعبي وتصيّد رسمي، والحال ذاته في تركيا.. أما أحدث فصول المضايقات فكان مؤخراً لدى الجار اللبناني، وعند هذا الأخير تتزاحم التساؤلات حول حيثية “الأمن والأمان” التي كانت دوماً ذريعة هواة المغادرة والانسحاب السلس من المضمار الاقتصادي السوري ؟
بالتأكيد سيستمر التصدير الإعلامي في “بلدان المضايقات”، على أنها حالات فردية لاتعكس موقفاً رسمياً، لكن نعلم ويعلم رجال الأعمال السوريون في الخارج أن المزاج الشعبي هو الأساس مهما حرصت السلطات على التعاطي بنفحة نفعية.
فالواقع أن السوريين استحوذوا على فُرص أبناء البلد حيث هم، على الرغم من أن مطلعين يؤكدون أن ثمة “تناحراً” بين السوريين أنفسهم في بعض الحالات – ليس كلّها – يجري في سياق تحالفات مصلحية هناك، هو ما يعزز مأزق الأموال السورية المهاجرة.
أياً كان .. فلا يظنّن أحد أن المجتمعات الاقتصادية في الخارج ستتقبل بقاء الأموال السورية وأصحابها ككوابيس حقيقية تهدد مصالحها لمسافات زمنية طويلة، وإن كانت السلطات في كل دول المقصد، قد عملت على استقطابهم استراتيجياً لا وجدانياً لإنعاش اقتصاداتها، فقد قضي الأمر وباتت الكلمة بعد عقد وأكثر من الزمن لأبناء البلد، لأن لغة المصالح هي الحاكمة دوماً في عالم الاقتصاد كما السياسة، ولامصلحة لهوامير الاقتصاد في أي بلد بقبول أي منافس سوري.
بالأمس أعلنت وزارة الاقتصاد عن خطوة رشيقة بدعوتها التجار السوريين لاستثمار مستودعات المنطقة الحرة في مطار دمشق الدولي، وبالأمس أيضاً أطلق وزير النفط دعوة مفتوحة – بل سباقاً – للاستثمار في القطاع، كما تستمر الدعوات والتسهيلات الحكومية تشريعياً ولوجستياً وبنيوياً للاستثمار في كل القطاعات..
فهل سيبقى “مستثمرونا” متمسكين باسطوانة البيئة اللافظة.. البيئة ذاتها التي كانت أساس ثرواتهم؟
تؤكد الوقائع أن لاكرامة لهؤلاء إلا في بلدهم مهما كانت المنغصات .. وتبقى منغصات قابلة للحلحلة لأنها ليست حديّة مصيرية كما تتكشف عنه الأحداث والحوادث المؤلمة التي يتعرضون لها في الخارج..
أما إن كانت المسألة متعلقة بمواقف ذات أبعاد.. فمقولة المروزي الشهيرة: “لو خرجت من جلدك ما عرفتك” تختصر طولَ شرحٍ وتفسيرٍ.