ارتفاع مستويات التضخم وإسقاطات الحصار ترخي بظلالها الثقيلة.. انعكاسات اجتماعية بعد «الاقتصادية»..
تشرين – ميليا اسبر:
أثرت الحرب في حياة المواطنين بشكل سلبي وبمختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ما أدى إلى تراجع واضح جداً بمستوى معيشتهم، هذا الأمر أدى كذلك إلى تدهور علاقاتهم الاجتماعية على صعيد الأسرة والمجتمع معاً.
تدني القيمة الشرائية
“تراجعُ الوضع الاقتصادي للسوريين وتدنّي القيمة الشرائية لليرة أثّرا سلباً في سلوكهم وحياتهم الاجتماعية بشكل ملحوظ، حيث زادت حالات القتل والانتحار والسرقة وأيضاً العنف بأشكاله كلها”.
هكذا بدأ الخبير في الشأن الاقتصادي عامر شهدا حديثه لـ” تشرين”، فبرأيه “أنّ الوضع الاقتصادي ينعكس دائماً سلباً على المستوى الاجتماعي، وأنّ الجوع يدفع إلى القتل، فمنذ بداية هذا العام لاحظنا وجود مؤشرات كثيرة تدل على أن الفقر في سورية أدّى إلى حالات من (السرقة، القتل، الانتحار، العنف، الشذوذ والانحلال الأخلاقي).
شهدا: تراجعُ الوضع الاقتصادي للسوريين وتدنّي القيمة الشرائية لليرة أثّرا سلباً في سلوكهم وحياتهم الاجتماعية بشكل ملحوظ
ويضيف: “كما أن حالات التشرد والتسول أصبحت مشاهَدة بشكل كبير جداً عند الأطفال والنساء، وهذا كله بسبب الفقر ، حيث ارتفعت معدلاته بين عامي 2011 – 2024 بنسب مخيفة، لأن السياسات المتبعة وظروف الحصار والأزمات أوجدت ظروف إنتاج سيئة، ما أدى إلى ارتفاع التكلفة، ولاحقاً ارتفاع الأسعار، وهذا معناه إضعاف القدرة الشرائية لدى المواطن وتدنّي وضعه المعيشي”.
حربٌ اقتصادية
من جانبه أمين سر جمعية حماية المستهلك بدمشق والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة أشار إلى أنه “مع بداية الحرب الاقتصادية في نهاية عام 2022 وخلال عام 2023 حدث تحولٌ كبير في الوضع الاقتصادي السوري، فقد كان سعر صرف الدولار حسب النشرة الرسمية آنذاك يبلغ 5000 ليرة، ثم ارتفع إلى عشرة آلاف ليرة، وحالياً يقارب حدود الـ14 ألف ليرة سوريّة، ونلحظُ تحديداً في بداية 2024 ازدياداً كارثيّاً في أسعار المنتجات، تزامَنَ مع رفع لأسعار حوامل الطاقة (مازوت، فيول، كهرباء)، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المواد الأولية الداخلة في عملية الإنتاج الصناعي”.
الخبيرُ حبزة يوضح لنا أيضاً أن “آلية التصدير المتبعة كانت خاطئة وذات نتائج سلبية أدّت في بعض جوانبها إلى تدهور الواقع المعيشي للناس، حيث كان السوقُ السوري يصدِّرُ الغِلالَ في بداية الإنتاج الموسميّ مثل: البصل والثوم والبندورة، ثم -تخيّلوا- يعاودُ استيرادها من خارج البلد في نهاية الموسم نظراً لافتقار السوق المحلي لها”!
حبزة: إجمالي المواطنين من ذوي الدخل المحدود يشكلون ما نسبته 85 % من السكان
الغالبية من ذوي الدخل المحدود!
ولفت حبزة إلى أن “إجمالي المواطنين من ذوي الدخل المحدود يشكلون ما نسبته 85 % من السكان، أي إن دخل الموظف الشهري يبلغ حوالي 350 ألف ليرة تقريباً (ما يعادل 25 دولاراً) وهذا يشكل أقل من 10 % من النفقات الشهرية لمواطن موظف، أي إنه بعملية حسابية بسيطة: تكلفةُ وجبة فطور مع وجبة غداء لعائلة مكونة من خمسة أشخاص تقدّر بما لا يقل عن 200 ألف ليرة يومياً بالحد الأدنى، وهذا يعني أن تلك الأسرة تحتاج فعلياً إلى سبعة ملايين ليرة شهرياً! ومع هذا الارتفاع المخيف للنفقات، وانخفاض القيمة الشرائية لليرة ظهرت آثارها السلبية اجتماعياً عند الناس من خلال قسوة سلوكهم والخلل في حياتهم الاجتماعية، حيث زادت حالات القتل والانتحار والسرقة والعنف، من دون أن نذكر مشكلات تأمين الملابس، والأدوية، وفواتير الكهرباء والمياه والاتصالات وتكاليف التنقلات اليومية بالمواصلات، وغيرها الكثير”.
حبزة: تكلفةُ وجبة فطور مع وجبة غداء لعائلة مكونة من خمسة أشخاص تقدّر بما لا يقل عن 200 ألف ليرة يومياً
شرخ بين الآباء والأبناء
عشرات الجرائم ترتكب لغايات مختلفة، أهم مسبباتها الحصول على المال، بينما بعضها الآخر حدث بين الأقرباء متجاوزين قدسية صلة الرحم، مثل الحادثة التي وقعت في ريف دمشق منذ أكثر من عامين عندما قام شاب بعمر 17 عاماً بقتل جدته من أجل سرقة مصاغها الذهبي وأموالها، وجرائمَ كثيرةٍ غيرها حدثت بطرق وأدوات مختلفة.
لذلك استوضحنا الأمر من الباحثة في الشأن الاجتماعي أسمهان زهيرة التي أشارت إلى “أنّ الظروف المعيشية المترديّة عادةً ما تكون دافعاً لارتكاب جرائم متعددة، كما تؤثر اجتماعياً في تكوين شخصية الفرد وتربيته وسلوكه، فالظروف الاقتصادية الصعبة أجبرت ربّ الأسرة (الأب أو الأم أو كليهما معاً) على العمل في أكثر من مكان تلبيةً لحاجات الأسرة بحدودها الأدنى، فابتعد الأب عن عائلته أو محيطه الأسري، ما أنتج شرخاً بين الآباء والأبناء، ودفع الأولاد مثلاً لمصاحبة روّاد محال الألعاب الإلكترونية التي تحتوي على كثير من مشاهد العنف والقتل، فتمثّلوها في سلوكهم وتصرفاتهم، لفظياً وجسدياً، في محاولة منهم للتخلص من الضغط النفسي ونزع نظرة اليأس لديهم وفقدانهم الأمل بمستقبلهم الدراسي أو المهني”!
لكن رغم الواقع القاسي الذي أشارت إليه الباحثة زهيرة إلا أنها تلفتُ إلى “أهمية العمل على إيجاد حلول رادعة/وقائية من خلال مبادرات داعمة للشباب، مع تعزيز دور الأسرة في التقرب من أبنائها وتقديم النصح والإرشاد لهم”.
بدوره طالب حبزة بـ”ضرورة تغيير بالتعامل مع الأزمات وإيجاد الحلول التي شرّحها أعلاه، مع ضرورة دعم المواد الأولية الداخلة في الصناعات والإنتاج الحيواني والغذائي والزراعي، إضافة إلى رفع القدرة الشرائية للمواطن من خلال العمل بتوجيهات السيد الرئيس لدعم المشروعات الصغيرة والمشروعات المنزلية“.