للحظة يبدو غير مفهوم، أن كل المبعوثين الأميركيين الذين يزرعون المنطقة منذ عام، ذهاباً إياباً، يعودون إلى بلادهم محملين بالفشل، وآخرهم آموس هوكشتاين. ولا بد أن نسأل: ما هي خطط التسوية التي تُطرح، هل الخطط نفسها يتم عرضها في كل مرة أم يُفترض تطويرها وفق المعطيات، ووفق نتائج مع تخرج به المشاورات/الزيارات؟
ما يظهر، هو أن هؤلاء المبعوثين لا يأخذون بالاعتبار سوى ما يقوله الجانب الإسرائيلي لذلك فإن الفشل يلازمهم، ولذلك تبدو الخطط وكأنها هي ذاتها تقريباً، ولكن هل هذا هو فعلياً واقع الحال؟
هنا لا بد أن نسأل كذلك: هل ما يتم طرحه في الزيارات واللقاءات هو خطط وتسويات أم استعراض للمصالح/مكاسب وخسائر/ والحديث هنا عن أطراف المنطقة المعنية؟.. وتالياً تتحول الزيارات إلى لقاءات ابتزاز وضغوط ومساومات. ولكل أوراق قوة لا يستهان بها في الإقليم بحيث تبدو أميركا بحكم الذي يستمع فقط ويوازن ويقارن، ويأخذ وقته كاملاً في التخطيط والتدبير وصولاً إلى النتيجة/الضربة/ النهائية.
هل يمكن أن يكون الفشل مقصوداً؟
ربما.
هل يمكن أن يكون «النجاح» مؤجلاً لما بعد الانتخابات الأميركية، ليكون محسوباً لمصلحة الرئيس الجديد؟
ربما.
هل إن (خلف الستار) بات فوز ترامب مؤكداً.. وتالياً هو طلب من الكيان الإسرائيلي تأجيل «النجاح» لحين إعلان فوزه، لتكون ضربة كبيرة للديمقراطيين وإذلالاً لهم، كما جاء في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية؟
ربما.
أم إن المسار التصعيدي التصاعدي في المنطقة بات فعلياً خارج السيطرة، وبشكل لا تجيد أميركا التعامل معه، وبكل ما يمثله ذلك من خطر وجودي عليها في المنطقة؟
ربما.
هل هناك مخطط من نوع ما، مُبيت بين أميركا والكيان، يسير وفق مراحل متفق عليها، بغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي الجديد.. وتالياً فإن الكيان الإسرائيلي يتقدم في كل مرحلة، خطوة باتجاه توسيع حرب متوافق عليها، ويجد الطرفان أنها باتت حتمية لـ«تغيير وجه الشرق الأوسط»؟
ربما.
إذا كان نتنياهو صرح علناً، في مناسبات عدة، آخرها الأربعاء الماضي.. إذا كان يُصرح أن كيانه لن يوقف الحرب، لأن الهدف هو تغيير وجه الشرق الأوسط، وأن الكيان حر تماماً في كل ما يفعله لتحقيق هذا الهدف.. وأن الكيان يحارب إيران نيابة عن أميركا والغرب، فهذا يعني أن الحرب لن تتوقف، لأن الهدف كبير وشامل وهو كل المنطقة/الشرق الأوسط، وليس فقط غزة ولبنان، أو سورية أو العراق أو اليمن.. هذا يعني أن نتنياهو لديه ضوء أخضر من دون خطوط حمر في تصعيد الوحشية في القتل والتدمير، وفي توسيع الجغرافيا تباعاً، فيما تخرج أميركا في كل مرة لتبرر وتسوغ كل ذلك بحق الكيان في الدفاع عن نفسه.. وصولاً إلى الحرب الموسعة.
إذا كان نتنياهو بعد كل زيارة لمسؤول أميركي، وبعد كل خطة تُطرح للتسوية، يُعيد الكلام السابق نفسه، فما الذي يفعله الموفدون الأميركيون، وما هي مهمتهم الحقيقية، هل يأتون للضغط فقط أو التحذير والتهديد مع كل تصعيد إسرائيلي، وبأن من يتعرض للحرب، والقتل والتدمير، عليه أن يعلن الاستسلام قبل فوات الأوان (أي يعلن وقف إطلاق نار من جانب واحد كما طلب هوكشتاين من الجانب اللبناني على ذمة التسريبات، علماً أن لبنان نفى ذلك لاحقاً، ولكن لا نار بلا دخان كما يُقال).
مما سبق وغيره، هل يمكن أن نفهم من خلاله سبب الزج بإيران في أكثر من حدث، إقليمي ودولي/أميركي، ومحاصرتها بالضغوط والاستفزازات لتكون سبباً، أو مدخلاً، أو ساحة، أو طرفاً… الخ، في الحرب الموسعة، لأنه إذا كان الهدف تغيير وجه الشرق الأوسط فلا بد من أن يتم الزج بأكبر وأهم دوله في هذه الحرب، وهنا لا تقع العين إلا على إيران.
إذا ما أخذنا تصريحات نتنياهو هذه، ومجريات الحرب الإسرائيلية، بشرياً وجغرافياً، يمكن أن نفهم نوعاً ما، لماذا تستمر التحذيرات من حرب إقليمية مدمرة في المنطقة، ولماذا «يفشل» الموفدون الأميركيون، ولماذا قد يكون هذا الفشل متعمداً؟
ربما علينا انتظار ما بعد الانتخابات الأميركية، أو بعبارة أدق ما بعد التنصيب للرئيس الأميركي الجديد في كانون الثاني المقبل، لنعرف الاتجاه الذي ستأخذه تطورات الميدان.. وحتى ذلك الحين فإن أمام المنطقة ثلاثة أشهر صعبة جداً عالية المحاذير والمخاطر.
مها سلطان
59 المشاركات
قد يعجبك ايضا