زراعة الحدائق المنزلية مشروعات صغيرة يتسع نطاقها.. رافد مهم لمعيشة الأسر وتوفر الدعم.. والمياه عامل رئيسي لنجاحها
تشرين – وليد الزعبي:
لم يعد يحتمل في الوضع المعيشي الصعب الذي نعيشه كما هو معلوم للجميع الركون إلى التراخي وندب الحظ وتقاذف اللوم هنا وهناك، بل يحتاج إلى تضافر جهود جميع أفراد الأسرة وتوظيفها في أعمال تمكن من الحصول على دخل إضافي، يحقق كفاف العيش ولو بالحد الأدنى.
أهالٍ: تسند معيشة الأسرة وتتيح تأمين المؤونة بالكميات المناسبة
والملاحظ أن معظم الأسر الريفية، وخاصة التي يتوفر لها مصدر مياه، نشطت على صعيد زراعة الحدائق المنزلية بمحاصيل خضار مختلفة تحتاجها في معيشتها، وبرزت نجاحات كثيرة في هذا المجال، حيث حققت مثل تلك الأعمال التي تمثل مشروعات صغيرة اكتفاءً ذاتياً من الخضار للعديد من الأسر مع وجود فائض للمؤونة والتسويق.
عامل أساسي
عدد من أهالي خربة غزالة ذكروا أن التباعد السكني ووجود مساحات فارغة حول المنازل في بلدتهم، أتاحا للأسر زراعة تلك المساحات بمحاصيل خضار متنوعة مثل البندورة والباذنجان والفليفلة والملوخية والخيار وغيرها، والحال مماثلة في بلدات زيزون وتل شهاب وخراب الشحم والمزيريب وجلّين، ومثلها الكثير في الريف الغربي، حيث بيّن العديد من السكان أن زراعة الحدائق رائجة لدى معظم الأسر، وهي تعد بمنزلة مصدر أساسي لما تحتاجه موائدها صيفاً، ومؤونتها شتاءً.
أرباب أسر: الفائض يذهب إلى الأسواق ما يشكل دخلاً إضافياً يغطي متطلبات مختلفة
تخطف الأبصار
كان المثال على قصة النجاح ماثلاً للعيان من بلدة قرفا، حيث أشارت إحدى السيدات إلى ولعها بزراعة الخضار من مختلف الأصناف، وما شجعها على ذلك هو وجود مساحة تزيد على ٣٠٠م٢ بجوار منزلها، حوّلتها بالكامل إلى حصص، كل منها مزروع بصنف من الخضار والحشائش وبعض النباتات العطرية والطبية، وبينت أنها تجهز كامل مؤونة عائلتها من المكدوس والملوخية وحتى البصل والثوم من نتاج ما تزرعه بمعاونة أولادها، علماً أن الفائض عن حاجتها توزعه لأقارب لها أو الجيران بلا مقابل، وهي تفكر في أوقات لاحقة بأن تسوّق الفائض في حال كان معقولاً إلى السوق، ولدى الاطلاع على الحديقة اتضح بالفعل أن المشهد “يشرح الصدر”، حيث تتميز الخضار المزروعة بجودة عالية ولها مذاق ممتع جداً لا يقلّ عن مثيله المعروض في الأسواق.
حالات كثيرة
الحالات الناجحة لا تعد ولا تحصى في مدينة طفس، إذ رصدنا من خلال جولتنا فيها الكثير منها، وخاصةً أن مصدر المياه فيها جيد إلى حد ما.
ومن خلال اللقاءات مع الأهالي تبين أنه لا تترك مساحة بجوار معظم المنازل إلا وتزرع بالخضار بشتى أنواعها من بندورة وخيار وفاصولياء ولوبياء وملوخية وفليفلة وباذنجان وكوسا وغيرها، وكذلك الحشائش من كزبرة وبقدونس وجرجير ونعناع، إضافة إلى زراعة النباتات الطبية والعطرية مثل الزعتر البري والملّيسة وإكليل الجبل والميرمية وغيرها، وهناك عائلات لا يزيد المنتج عن حاجتها، لكن أخرى لديها فائض تقوم بطرحه في سوق الهال الشهير بالمدينة، ما يحقق مردوداً جيداً يسند دخل الأسر ويعينها في سداد الكثير من احتياجاتها.
ملاذ للموظفين
أحد الموظفين من مدينة نوى، ذكر أنه لا يمتلك أرضاً زراعية حتى يقوم بزراعتها، لكنه وجد في الحديقة المنزلية مسعفاً لمعيشة أسرته، حيث يزرع فيها عدداً من أشجار الزيتون التي تؤمن لهم المؤونة من الثمار والزيت، كما يزرع بشكل موسمي الخضار الرئيسية التي تحتاجها وجبات أسرته ومؤونتها، مشيراً إلى أن الراتب لا يكفي سوى بضعة أيام، ولا بد من عمل آخر وتمثّل بمشروع الحديقة المنزلية، حيث إنه يملأ أوقاته بعد الدوام بالعمل فيها ويساعده جميع أفراد أسرته.
وأشار موظف آخر من مدينة الشيخ مسكين إلى أنه كما باقي الأهالي يعمل بزراعة البامياء التي تشتهر بها مدينتهم،، إضافة إلى بعض الخضار الأخرى، وهي تساعد الأسرة كثيراً في معيشتها، وتوفر نفقات ليست بقليلة، وخاصةً مع الارتفاع الكبير بأسعار الخضار التي بات يعاني منها معظم الناس.
مطالب بمنَح داعمة تقدم المستلزمات من بذور ومعدات وشبكات ري وخزانات وأسمدة
الدعم مطلوب
معظم من التقتهم “تشرين” طالبوا بضرورة تقديم الدعم للمشروعات الصغيرة المتمثلة بزراعة الحدائق المنزلية بمحاصيل الخضار، وذلك عبر تقديم خزانات مياه وشبكات ري بالتنقيط مع بذور وأسمدة ومعدات زراعة يدوية بسيطة تحفز مختلف الأسر على تنفيذها، ما يشكل دعماً ليس بقليل لمعيشتها في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وأن تكون هناك معايير مناسبة في عملية تقديم مثل هذا الدعم، حيث يصل إلى محتاجيه الفعليين ويستبعد المتطفلين الذين يسعون إلى الحصول على الدعم ومن ثم بيعه من دون أن يزرعوا، وكذلك يستبعد المقتدرين الذين لديهم حيازات كبيرة من الأرض ويعدون من المزارعين الميسورين ولا يعقل حصولهم على مثل هذا الدعم.
توزيع منح
مدير زراعة درعا المهندس بسام الحشيش ذكر أنه ضمن مجال عمل دائرة التنمية الريفية في المديرية، تم توزيع منح في مجال الحديقة المنزلية، سواء ضمن مشروع الزراعات الأسرية أو بالتعاون بين وزارة الزراعة ومنظمة الهلال الأحمر ومنظمة الفاو، وكان هدف المشروع زراعة الحدائق بأنواع الخضار الصيفية والشتوية لتأمين حاجة البيت من الخضار الطازجة المزروعة بأرض نظيفة ومروية بمياه نظيفة، واستثمار قسم آخر من هذه الخضار في التصنيع الغذائي لتأمين حاجة المنزل من هذه الخضار بغير موسمها مثل المكدوس ورب البندورة والمخللات وغيرها، وبيع قسم آخر من أجل إيجاد مصدر دخل لهذه للأسر يعينها بتأمين مستلزمات البيت والأولاد في مجالي الصحة والتعليم، وبالتالي تحسين مستوى معيشة هذه الأسر.
سعي متواصل
رئيسة دائرة تنمية المرأة الريفية المهندسة جهينة الأحمد، أوضحت أنه يتم تقديم كل أشكال الدعم الممكنة للمرأة الريفية بشكل عام وللعاملين بزراعة الحدائق المنزلية بشكل خاص، ويجري السعي بشكل متواصل إلى تأمين الدعم على شكل منح بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية للأسر الأشد فقراً وتتوفر لديها مساحة بجوار المنازل قابلة للزراعة مع مصدر مياه، وذلك لدعم معيشتها، وخاصة ضمن الأحوال المعيشية القاسية.
وذكرت أن المنح التي قدمت في فترات سابقة كانت لها نتائج إيجابية في بلدات عدة، وهناك قصص نجاح ولاسيما في كل من مدن وبلدات نوى وطفس وقرفا وخربة غزالة ومختلف بلدات الريف الغربي والشمالي التي يتوفر فيها مصدر مياه، لأن المياه تعد العامل الأساسي لنجاح زراعة الحدائق المنزلية بمحاصيل الخضار الصيفية، والدائرة على استعداد لتقديم كل أشكال المشورة والخبرة للمساهمة في تزايد مثل تلك المشروعات الصغيرة.
الإرشاد حاضر
رئيس دائرة الإرشاد الزراعي المهندس محمد الشحادات، أشار إلى أن الكوادر الفنية الموجودة في الوحدات الإرشادية على مستوى المحافظة مستعدة لتقديم الإرشادات اللازمة لعملية زراعة محاصيل الخضار في الحدائق، والعناية بها منذ وضع البذار في الأرض حتى جني المحصول، والمهم تقديم الخبرة لجهة مكافحة الأمراض والآفات إن وجدت للوصول إلى إنتاج خالٍ من الإصابات ومناسب كمّاً ونوعاً.
ولفت إلى أن زراعة الحدائق المنزلية في المحافظة تقليد يُعمل به منذ سنوات، لكنه ازداد واتسع نتيجة ضنك العيش وضعف دخل الأسر، حيث أصبح مصدراً جيداً لتأمين احتياجات الأسر من الخضار وتسويق الفائض وتوظيف قيمته في تغطية بعض مستلزمات الأسر التعليمية والصحية وغيرها.