بانتظار الرئيس الأميركي الـ47.. مصير الصراعات حول العالم بين الاستمرار والتوسيع..
تشرين- هبا علي أحمد:
يومٌ حاسمٌ، مفصليّ ومصيريّ يترقبه العالم ومنطقتنا على وجه الخصوص في ضوء الانتخابات الرئاسية الأميركية «يترافق معها انتخاب أعضاء الكونغرس» التي انطلقت اليوم واختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بانتظار ما تفرزه من نتائج.. وربما من المبالغة الحديث بأن منطقة الشرق الأوسط في خضم الصراعات والاعتداءات الإسرائيلية- الأميركية والغربية القائمة الآن باتت معنية بشكل أكبر بهذه الانتخابات ومفرزاتها أكثر من الناخب الأميركي، لكن هذا واقع الحال، إذ وبناء على النتائج سيُحدد مصير هذه الصراعات من حيث إخمادها أو استمرارها مع توسيعها ونقلها إلى ساحات أخرى بشكل علني ومباشر باتجاه الصين، ويُرجح الخيار الثاني أكثر، أي توسيع الصراع وساحته ولا سيما تجاه إيران ليكون واضحاً أكثر من الراهن.
.. وليس المهم من يملك مفاتيح البيت الأبيض، بل المهم في العقلية الأميركية من يخدم هذه الصراعات ومن يخدم كيان الاحتلال الصهيوني.. صحيح أن الناخب الأميركي يصوت لاختيار رئيس لبلاده بما يخدم ويحقق متطلباته ودولته الأميركية وقضاياها، لكن الدولة العميقة بما فيها من لوبيات صهيونية ومال وأعمال وإعلام لا تصوت للديمقراطية كامالا هاريس أو الجمهوري دونالد ترامب بقدر ما تصوت لكيان الاحتلال ولخدمة مخططاته في المنطقة، وعليه فإن النتيجة هي انتخاب وتصويت لـ«إسرائيل»، وهذه أهم نقطة بالانتخابات وعليها تتحدد الصراعات وشكلها المُقبل، وعليها سيتحدد أيضاً شكل العلاقة الأميركية مع دول المنطقة، في مقدمتها الدول الخليجية، وهذا ما يجب الإضاءة والتأكيد عليه دائماً.
اليوم الانتخابي
إذاً توجّه الناخب الأميركي اليوم لاختيار من يُمثله وسط حماسة غير مسبوقة بين الناخبين وانقسام كبير أيضاً، ووسط ألغام داخلية من التشكيك واحتمالات التزوير وقلب النتيجة وسرقة الانتخابات على غرار ما أشيع عنه في انتخابات 2020، وبالتالي الانتقال إلى حال الفوضى وصولاً إلى الحرب الأهلية.. ورغم تقارب نتائج استطلاعات الرأي بين هاريس وترامب وفوز الأولى بأربع ولايات متأرجحة وهي التي تحدد مصير الانتخابات «الولايات المتأرجحة سبع»، في حين امتلك ترامب الولايات الثلاث الأخرى، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بأي حال بالفائز أو ترجيح كفة على أخرى ويبقى الفصل للنتيجة النهائية.
ليس المهم من يملك مفاتيح البيت الأبيض بل من يخدم هذه الصراعات ومن يخدم كيان الاحتلال وبالتالي التصويت سيكون للكيان
.. وسط هذه الضبابية تكثّفت وعود هاريس وترامب لناخبيهم، ليأتي في ظل هذا المشهد الإعلان عن وفاة أحد الجنود الأميركيين كان قد أصيب بجروح خطرة خلال مهمة مؤقتة في قطاع غزة الصيف الماضي، وبصرف النظر عن تزايد الأدلة عن التورط الأميركي في العدوان على غزة فهذا بات من الماضي، لكن لا بد أن يترك الخبر أثراً في الميزان الانتخابي حتى لو كان جندياً واحداً، فقضية عودة الجنود الأميركيين محملين في التوابيت إلى أهاليهم مهمة ومؤثرة ومن الممكن أن تغيّر النتيجة لدى الناخب الأميركي، بمعنى إذا لم يُغير وجهة انتخابه فقد يمتنع.
المجريات
وفي أول فرز للأصوات الحضورية في الانتخابات حصل ترامب ومنافسته هاريس على عدد متساوٍ من الأصوات في ديكسفيل نوتش الصغيرة «نيوهامبشاير» التي افتتحت الانتخابات الرئاسية الأميركية اليوم، وتؤكد هذه النتيجة ما أشارت إليه آخر استطلاعات الرأي بأن المعركة بين المتنافسَين ستكون شديدة.
وانتهى التصويت بعد دقائق قليلة من انطلاقه، واستغرقت معالجة الاستمارات الانتخابية القدر نفسه من الوقت، ووفقاً لتقليد يعود تاريخه إلى عام 1960، يحق للأميركيين في ديكسفيل الاقتراع في منتصف الليل تقريباً بالتوقيت المحلي (08:00 بتوقيت موسكو)، أي قبل عدة ساعات من فتح صناديق الاقتراع في أجزاء أخرى من أميركا، ولا يعد التصويت في هذا المركز السكني الصغير مقياساً للتنبؤ بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ففي كثير من الأحيان لا تتطابق نتائج التصويت هناك على الإطلاق مع النتائج في كل أنحاء الولايات المتحدة.
نتائج الانتخابات الأميركية تُحدد مصير الصراعات من حيث إخمادها أو استمرارها مع توسيعها ونقلها إلى ساحات أخرى
وبناء على ما سبق، يُثار سؤال حول ماذا لو تعادلا، أي هاريس وترامب في عدد الناخبين الكبار (المجمع الانتخابي الذي يضم 538 عضواً) أي 269 لكل منهما، ما يُثير مُعضلة؟.. وبموجب الدستور الأميركي يعود للكونغرس، في هذه الحالة، اختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، وبالتحديد مجلس النواب المنتخب عبر الاقتراع أيضاً، في حين يتولى مجلس الشيوخ تعيين نائب الرئيس.
وفي وقت سابق أدلى ما يقرب من 83 مليون مواطن أميركي بأصواتهم في وقت مبكر من الانتخابات العامة التي تجري اليوم من بينهم المرشحة هاريس.
ومن المقرر أيضاً أن ينتخب الأميركيون أعضاء جدداً في مجلسي الشيوخ والنواب (الكونغرس)، وتشمل الانتخابات جميع أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضواً، والذي يسيطر عليه الجمهوريون حالياً، إلى جانب ثلث مقاعد مجلس الشيوخ، حيث يتمتع الديمقراطيون بأغلبية بسيطة، وأظهرت استطلاعات الرأي أن السيطرة على كل من المجلسين قد تنتقل إلى الحزب الآخر، رغم أن هذا ليس مؤكداً بأي حال من الأحوال.
المعضلة في التعادل ومن ثم بقبول حكم الدستور الذي يعيد للكونغرس قرار اختيار الرئيس فيما يتولى مجلس الشيوخ تعيين نائبه
ويتمتع الجمهوريون بأغلبية بسيطة في مجلس النواب، حيث يشغلون 220 مقعداً، مقابل 212 للديمقراطيين، مع وجود ثلاثة مقاعد شاغرة، وكما هي الحال في السباق الانتخابي الرئاسي، فإن انتخابات مجلس النواب هذا العام متقاربة للغاية، ولكن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن الديمقراطيين قد يستعيدون السيطرة على مجلس النواب.
الانعكاس على منطقتنا
الانتخابات الأميركية الراهنة تختلف عن سابقتها في ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والتورط الأميركي المباشر به، ونُكرر ما ذكرناه أمس في هذا الموضع، بأن أي انعكاس سيكون سلبياً بأي حال على الأوضاع الراهنة في لبنان وغزة وصولاً إلى إيران، على اعتبار أن الترقب حالياً أيضاً يسري على موضوع الردّ الإيراني على «الردّ» الإسرائيلي وبالتالي تداعياته، مع تأكيد إيران أنه قادم لا محال من دون تحديد التوقيت والحجم والمدى رغم أحاديث إعلامية بأنه بين ساعة وأخرى.
في منطقتنا الرهان دائماً على المقاومة ومحورها.. يكفي أن نبقي أنظارنا على جنوب الأرض وسمائها باتجاه فلسطين وكل بقعة يملكها أي طرف مقاوم
ما يختلف عن الانتخابات السابقة، هو الموقع الأميركي في المنطقة ودوره المتراجع وكل التحركات الأميركية السابقة الدبلوماسية والسياسية في المنطقة لردم فجوة التراجع والخلل وليس لجهود وقف إطلاق النار المزعومة.. ولنكن واقعين فهذا لا يعني أن الدور الأميركي انتهى أو سينتهي، لكنه سيتراجع/ يتبدل حتى في ظل صيغ وتفاهمات جديدة تضعها واشنطن.
..بناء على ما سبق، وبناء على معطيات الميدان في غزة ولبنان، لا نبالغ إن قُلنا: إن منطقتنا بيدنا، بيد المقاومة وأبنائها الذين يُحاصرون الكيان في غزة ولبنان، بصرف النظر عن أنه حتى تكون المنطقة بيدنا بصورة مُطلقة لا بد من جبهة عربية إقليمية واسعة موسعة وموحدة في وجه العدو، ولكن في ظل تعذر ذلك للأسف، واستحالته بالحقيقة، التي هي مُرّة، يجب علينا من الآن الابتعاد عن المراهنات الخاطئة للآسف أيضاً، لأنه لا يمكن الرهان على واقع عربي مُغاير للتقليدي الذي اعتدنا عليه.. الرهان دائماً على المقاومة ومحورها الواسع والممتد.. والرهان دائماً على صواريخها ومُسيّراتها وعلى كل عملية تجري في غزة أو لبنان.. يكفىي أن نُبقي أنظارنا على جنوب الأرض وجنوب السماء وشمالها أي باتجاه فلسطين المُحتلة وكل بقعة يملكها أي طرف مقاوم.. وللحديث بقية.