الأحجار الكبيرة..!

في القلب جمرة.. الحديث أو النقاش حول قيام مشروعات صغيرة ومتوسطة ليس كلمة تقال ملء الفم فقط.. إنها إجراءات حقيقية وملموسة لمدّ يد العون لصاحب المشروع ودعمه بالاحتياجات والتسهيلات والموافقات وتوفير وقته وماله ووضعه على السكة لينطلق بعمله الجديد على سكة الإعمار.. ويتمثل دور الحكومة في تنظيم وتوفير الضوابط وإيجاد البيئة المساعدة والمحفّزة للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بحيث تكون قادرة على الاستمرار والتطور وتحقيق الهدف منها بتوفير مردود مادي جيد لأصحابها وتأمين المزيد من فرص العمل، والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني الكلي.
عندما تتوفر الإرادة والمهارة والحافز على العمل والإنجاز، ويتم ترتيب الحصول على التمويل لبدء مشروع جديد، تكون الصدمة الأولى من عدم وجود تسهيلات حقيقية لاسيما في الحصول على الترخيص المناسب للعمل، وأمام هذه الصخرة تتحطم الكثير من الآمال والطموحات وتعود الدائرة الى نقطة الصفر.. وليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تعلو بها التنهيدات حتى لتصل القلوب من فرط القهر إلى الحناجر من أسوأ كابوس إداري، ولعل لدينا مشكلة في السمع والإنصات لمعاناة أصحاب المشروعات الجديدة! فعملية الحصول على الترخيص الإداري أو المهني من أصعب المراحل التي تمر بها المشروعات، حيث يطلب من المستثمر في بداية تقديم أوراقه كي يحصل على ترخيص إداري (موافقة مبدئية) يفيد بأنه لا مانع من إقامة المشروع، لكنه يصطدم بعدد كبير من الطلبات والإجراءات التي لا يستطيع في معظم الأحيان تلبيتها لأمور خارجة عن إرادته.. وأمام كثرة التعقيدات لا يجد صاحب المشروع مفراً من تكليف معقب المعاملات انجاز هذا الترخيص، ما يعني البدء بعملية فساد واستنزاف مالي لصاحب المشروع الذي غالباً ما يكون قد حصل على قرض صغير ودفعة نقدية أولى للبدء بعمله الجديد، لكن لابد من وسيط الحصول على الموافقات للأوراق الرسمية والثبوتيات لاجتياز أصعب امتحان أمام حاجز لجنة مشكّلة من خمسة أعضاء في المحافظة (الصحة- البيئة- الحريق- الخدمات)، وضرورة زيارة كل عضو وحده، ناهيك بالوقت الطويل الضائع بين كشف وآخر، إضافة إلى تأمين سيارة لكل عضو من الأعضاء السابقين ذهاباً وإياباً.
وقد يمتد زمن الحصول على الترخيص إلى أكثر من ستة أشهر ما يقرب من فترات سداد القرض الذي يكون شرط الحصول عليه أساسياً للبد ء برحلة الترخيص للمشروع ضمن ما يسمى الجدوى الاقتصادية!! بعد كل هذه الدوامة تظهر الأحجار الكبيرة في طريق المستثمر من قبيل الحصول على ساعة الكهرباء، فقد ينتظر ثلاثة أشهر بحجة عدم وجود عدادات ثم مرحلة إبلاغ البلدية، وبالتالي قيامها بإشهار المشروع لدى المختار مدة ثلاثة أشهر حتى يستطيع من يمكن أن يتضرر أن يتقدم بشكواه إلى البلدية!
الحكومة ليست بعيدة عن واقع هذه المشروعات، وأكدت أنها تريد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التطور والتوسع، وتشجيع خريجي الجامعات على إطلاق مشروعاتهم وفق اختصاصاتهم وبما يتناسب مع احتياجات السوق المحلي والمجتمع، وتغيير الثقافة المجتمعية السائدة نحو التوجه إلى الوظيفة العامة، لاسيما في ظل محدودية الموارد المالية للحكومة، مع اتخاذ إجراءات محددة لإنجاح تلك المشروعات ومنها المعارض للترويج لمنتجاتها وتسويقها داخلياً أو تصديرها، إضافة إلى تبسيط الإجراءات ووضوح آليات التمويل.
وحتى هذا الحين نحتاج إلى رؤية متكاملة وواضحة لتنظيم هذا القطاع باعتباره نواة أساسية لتطوير وتعزيز الاقتصاد الوطني، إضافة إلى ضرورة تحديد الأدوار بدقة، وذلك في مجالات الإشراف والترخيص والتنفيذ والمتابعة والتدريب والترويج والتسويق، وتسهيل الإجراءات أمام الراغبين بإطلاق مشروعاتهم، ووضع مؤشرات منهجية لقياس الأداء والتقييم الدوري للإجراءات بما يحقق الغاية المطلوبة من هذه المشروعات في تحقيق التنمية.
والمطلوب تجاوز حالة الفوضى المؤسسية والتنظيمية التي يعيشها قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة نحو قيام الهيئة بدور تنظيمي للقطاع وتنسيق الجهود بين مختلف الجهات ذات العلاقة وتحقيق التكامل فيما بينها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار