مثار دعابة أم حنق..؟
تنفست الصعداء بعد أن وصل ابنها إلى حيث هاجر، ليس لأنه تجاوز بسلام رحلةً محفوفةً بالمخاطر فقط، بل لأنه أصبح بإمكانها كقريناتها من “سِلفاتها” وصديقاتها وجاراتها أن تضع الموبايل على (ستاند) قاعدة أمامها والجلوس لساعة أو ساعتين وهي تتحادث إليه فيديو عبر الواتس أو غيره من برامج التواصل الاجتماعي.
وكثيراً ما تبدو حالة التقليد هذه المدفوعة بالغيرة مثار دعابة في مجالس الأسر، حيث يغمز أفرادها من جانب الأم حول طبيعة الأحاديث التي تدور يومياً بينها وبين ابنها ولوقت طويل، من قبيل الطرح وبإلحاح تساؤلات مفصلة جداً لتفقد أحواله وكيفية تدبر شؤون حياته الجديدة، من مسكن ورفاق وتعلم لغة وعمل” بالأسود”، ولن تستثني وجبات طعامه وكيفية طهوها وحتى جلي الصحون وغسيل الملابس.
وإن نفدت مثل هذه الأسئلة الخاصة، يتوسع الحديث ليطول أحوال الأقارب والجيران والمعارف وكل من هبّ ودبّ بكل تفاصيلها وتشعباتها، وكذلك شؤون وشجون البلاد والعباد مع العزف على سيمفونية الأحوال المعيشية الصعبة عندنا وارتفاعات الأسعار وغيرها الكثير، نعم فمدة ساعة أو ساعتين ليست بالوقت القصير حتى يتم ملؤها بشأن واحد أو اثنين.
هذا الجانب الظريف بالموضوع لن تبقى متعته بنفس الشغف، فبعد سنة أو اثنتين ستتراجع لذته تدريجياً وتبدأ الغصة من ألم الفراق تخنق الأم والأب بين الحين والآخر، فيما ستبرز تبعات سلبية أخرى، وخاصة إذا كان جميع الأبناء في عداد المهاجرين، والوالدان طاعنين في السن ويعانيان من الأمراض، حيث يبدأ حينها اليقين بفقدانهما للسند، صحيح أنّ أولئك الأبناء يقدمون العون المادي وبسخاء أحياناً، لكنه لا يسد فراغ غيابهم، فكم في محيطنا من أب وأم كبار في السن يطلبون وبحرج كبير عون جيرانهم وأقاربهم لاصطحابهم إلى الأطباء والمشافي.
إذا تعمقنا في الأسباب الجدية بعيداً عن دعابة رغبة الأم بالتواصل عن بعد مع أبنائها كمثيلاتها، فإنّ العوامل التي تدفع الأهل للموافقة على هجرة أبنائهم بالرغم من أنها قد تكلفهم كل مدخراتهم وممتلكاتهم، تتبدى بضبابية المسقبل من أمامهم، فلا إمكانية لتأمين مسكن وتكوين أسرة مهما طال الزمن في ظل ضعف الدخول، والجميع يأمل ألّا يدوم أمد الحصار الجائر والعقوبات الظالمة على بلادنا، ليتاح المجال أمام التعافي الاقتصادي وتحسن الأحوال المعيشية، لعلهما يبعثان الأمل عند الشباب بإمكانية الظفر بحياة كريمة فيعدلون عن الهجرة.