طريق رابعة نحو التنمية.. جدل ساخن بين أكاديميين
تشرين – هناء غانم:
حاول الباحث الاقتصادي د. منير الحمش تقديم رؤيته الخاصة بتنمية وإعمار سورية بطريقة سردية شيقة عرضها من خلال محاضرة أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية اليوم في مكتبة الأسد بعنوان:” الطريق الرابع إلى التنمية” وبحضور ومشاركة نخبة من أساتذة الاقتصاد في جامعة دمشق.
المحاضر بلور رؤيته التنموية انطلاقاً من مجموعة افتراضات توصلت إلى أنه لا يمكن التعويل على اقتصاد حرية السوق في إحداث التنمية أو استعادة مسارها أو إصلاحه كما أنه يجب ألّا نقع في حبائل أوهام وأخطاء التخطيط المركزي والبيروقراطية، وبناء على ذلك انطلقت رؤيته من سياسة المزاوجة بين آليات السوق وآليات التخطيط، بحيث يكون هدف التنمية الأساسي هو رفع المستوى المادي والثقافي وتحسين الأوضاع المعيشية، لذلك فإن برنامج التنمية لا بدّ أن يحقق مكافحة الفقر والقضاء على فروقات الدخل والثروة، إلى جانب تحقيق النمو الاقتصادي المطرد الذي يجب أن يترافق مع عدالة التوزيع وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية.
المزاوجة بين آليات السوق وآليات التخطيط
وأضاف الحمش: إن التنمية التي يدعو إليها هي تنمية شاملة ومستدامة وتكاملية، تهدف إلى إجراء تحولات هيكلية، وإحداث تغيرات اجتماعيةـ اقتصادية، مشيراً إلى أنّ التجارب التنموية أكدت أنه لا بدّ من وجود تدخل للدولة في الشأن الاقتصادي والاجتماعي خاصة أن السوق وحده لا يستطيع سد الفجوات الكبيرة والمزمنة بين العرض والطلب، وأن المشكلات الكبيرة مثل الفقر والبطالة لا يستطيع الأفراد وحدهم التصدي لها، كما أن تحقيق التوازن الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق من دون تدخل الدول، والأهم أن تقديم خدمات التعليم والصحة، وإقامة البنية التحتية، لا يمكن أن يتم بصورته المتطورة والمطلوبة إلّا عن طريق الدولة ومؤسساتها، لافتاً إلى أن تحقيق ذلك كله يحتاج إلى التخطيط الاقتصادي والاجتماعي الذي تقوم به الدولة. فالتنمية على هذا النحو تحتاج إلى خطط وبرامج عمل، مشيراً إلى أن برنامج العمل لمرحلة ما بعد الأزمة يوضع وفقاً للمبادئ والأهداف الموضوعة استناداً لـ(الطريق الرابع) للتنمية والإعمار لا بدّ له من مواجهة قضيتين على جانب من الأهمية الأولى: عدالة ما بعد الأزمة ومعالجة الشروخ الاجتماعية، والثانية: مسألة هوية الاقتصاد الوطني، وهذه المسألة يحددها الدستور، رغم أنه حدد هوية الاقتصاد بأنه اقتصاد حرّ، فقد كانت طبيعة الأحداث تفترض تدخل الدولة، ولكن هذا التدخل لم يكن مخططاً، بل غالباً ما كانت السياسات الاقتصادية كردود فعل، من دون دراسة علمية، تفرضها الوقائع العملية في السوق.
د. الحمش: تضارب وضياع في هوية الاقتصاد السوري.. لا يمكن التعويل على اقتصاد حرية السوق في إحداث التنمية
ملامح ومنطلقات
وعن ملامح الطريق الرابع التي دعا إليها المحاضر قال: يسعى الطريق الرابع إلى تحقيق النمو الاقتصادي الذي يحقق زيادة في نصيب الفرد من الناتج الإجمالي، ويرفع من مستوى معيشة السكان وتأمين حاجاتهم الأساسية، ويُمكن الاقتصاد الوطني من الإسهام في تعزيز قوة الدولة ودورها الاقتصادي والاجتماعي في التنمية والإعمار.
ولا يكتفي هذا الطريق في تحقيق معدلات نمو عالية إنما من الضروري أن تتحقق عدالة التوزيع لثمار التنمية وحيث إن التنمية هي للإنسان فإن هذا يعني إعداد وتكوين القدرات البشرية وزجها في عملية التنمية، وإتاحة الفرصة للجميع أن يشاركوا في صنع القرار.
زيادة الدخول أصبحت ضرورة بشرط
بدوره الدكتور في كلية الاقتصاد عابد فضلية، تحدث عن أهمية الزراعة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة والتي هي منظومة عمل دولية اتفقت عليها معظم دول العالم، وسورية وافقت عليها، موضحاً أنّ هذه المنظومة مؤلفة من 17 هدفاً أساسياً أهمها تعزيز الزراعة المستدامة والقضاء على الفقر وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة .
د. فضلية: زيادة الدخول أصبحت ضرورة شرط ألّا نستند في تحصيل الزيادة على مصادر ومطارح للتضخم
وأشار فضلية إلى أنّ التقصير الواضح في استثمار الثروات الموجودة في سورية، مبيناً أننا رابع دولة في العالم تملك مخازين وكميات كبيرة من الفوسفات تكفي الوطن العربي، ورغم ذلك لا ننتج كميات السماد المطلوبة علمًا أننا نمتلك الأرضي الزراعية والمناخات المختلفة والبادية، ولا نملك مكونات العلف الأساسية ومنها الذرة العلفية والشعير ومعظم هذه المواد تستورد، علماً أنه ممكن إنتاجها محلياً وعندما توفره الدولة عن طريق الاستيراد نصفه يذهب الى السوق السوداء.
أما الهدف الرابع من التنمية المستدامة فهو تعزيز فرص التعليم للجميع مدى الحياة ونفاجأ مؤخراً بقرار من الحكومة يقضي بمضاعفة رسوم التسجيل في الجامعات للتعليم الموازي والجامعات الخاصة، بحيث يحتاج المواطن لتسجل ابنه في الجامعة الخاصة راتبه على مدار سنتين في حال كان يتقاضى أكبر راتب في سورية، إضافة لفرض رسوم أخرى على مراحل التعليم في المدارس.. إذاً أين نحن من التنمية المستدامة.
وأضاف فضلية: إن التنمية المستدامة تتطلب تأمين الغذاء ونحن نستورد أهم المواد في سورية الرز والسكر، ومؤخراً أصدرت الحكومة قراراً برفع قيمة السعر الاسترشادي لدولار الاستيراد، أي أن تكاليف الاستيراد ازدادت إلى الضعف، الأمر الذي ينعكس بشكل تلقائي على المستهلك، كما تمّ رفع السعر الاسترشادي لدولار التصدير أيضاً الذي أحجم بعضهم عن التصدير.
ودعا فضلية إلى ضرورة زيادة الدخل التي أصبحت حقاً، لكن يجب ألّا نستند في تحصيل هذه الزيادة على مصادر ومطارح تؤدي إلى التضخم وغلاء مستوى المعيشة وتقليل الدخل من القطع الأجنبي.
عدّ فضلية في ختام المحاضرة أن تعثر التنمية والتطور ناجم عن سوء إدارة الموارد، مستشهداً بقول باحث أمريكي إعلامي واقتصادي: “إنّ سورية تمتلك من الموارد ما يجعل متوسط دخل الفرد السنوي أكبر من متوسط دخل الفرد السنوي في بلجيكا وهولندا”، مضيفاً: «أستشهد أيضاً بقول أحد أساتذة الاقتصاد في الجمعية العربية للعلوم الاقتصادية بأن لا بارك الله بأي اقتصاد لا يؤدي إلى الرفاه البشري وليس هدفه الإنسان»، معتبراً أنه لا يوجد طريق رابع ولا خامس، ففي الواقع الراهن لا يوجد إلّا طريق أول وهو طريق الرأسمالية، علماً أنه لا يوجد حالياً أي رأسمالية صافية في أي دولة بالعالم، وطريق ثانٍ وهو الاشتراكية وأيضاً لا توجد أي دولة بالعالم فيها نظام اشتراكي صافٍ كما هو نظرياً، وهناك طريق ثالث يقوم وفق نماذج متعددة فهو موجود بما يتناسب مع ظروف سورية وهو ما يتم المناداة به، علماً أن هذا الطريق لا ينفذ بأمانة.
مجرد التفكير أمر مخيف
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق د. غسان إبراهيم اعتقد أنه من الصعب وإن لم يكن من المستحيل إضافة تشريع جديد إلى اللوحة الخماسية المكونة من الأنظمة الاقتصادية الخمسة وهي: المشاعية والعبودية والرأسمالية والاشتراكية والاقطاعية، فمجرد التفكير بذلك هو أمر مخيف، فكيف يمكن اختراع نموذج للتنمية مختلف عن كافة ما هو موجود، موجهاً بعض الملاحظات عما تقدم به الدكتور الحمش، فمن وجهة نظره كان يجب على الأخير الحكم على كافة التجارب بالإخفاق حتى لو لم تخفق قبل أن يقترح نموذجاً جديداً، وذلك لإضفاء الشرعية والمنطقية على مقترحه، ولكن من يجرؤ على القول إنّ تجربة النمور الآسيوية أو الاشتراكية الصينية قد أخفقت.
د. إبراهيم: من المستحيل إضافة تشريع جديد إلى الأنظمة الاقتصادية٠
بحاجة حلول
وفي سياق متصل قال رفيق صالح أستاذ في كلية الزراعة في جامعة دمشق: نحن بحاجة اليوم إلى حلول عملية لسنا بحاجة الى تنظير، مؤكداً أنه لا توجد مشكلة أو أزمة في سورية إلّا ولها حلٌّ لافتاً إلى أن الزراعة وحدها قادرة على حلّ مشكلة سورية، وأنّ الزراعة لها ميزات نسبية لا تتوفر بأي دولة في العالم، فسورية تنتج الأقماح القاسية وهي مطلوبة في دول العالم، وسورية تملك ملايين رؤوس الأغنام العواس والماعز الشامي والذي هو أيضاً مطلوب عالمياً ونمتلك أفضل خضار وفواكه وهي أيضاً محاصيل تصديرية.
والمشكلة أنّ هناك الكثير من الأراضي الزراعية التي لا تزرع لعدم وجود مستلزمات الإنتاج أو أن أسعار هذه المستلزمات تفوق طاقة الفلاح.