المنطقة تكاد تستقر على وضعية واحدة «الرد والرد المقابل» وتبريد التصريحات لا يعني تبريد الأجواء.. الكيان يعود أدراجه باتجاه «هجوم» لا يستفز الجبهة اللبنانية

تشرين- مها سلطان:
تبريد التصريحات لا يعني- بأي حال- تبريد الأجواء في المنطقة التي تكاد تستقر على وضعية واحدة: الرد والرد على الرد، الكيان الإسرائيلي الذي يزعم أن حزب الله هو المسؤول عن المأساة التي ألّمت بأهل مجدل شمس، البلدة السورية المحتلة، والتي راح ضحيتها 12 من فتيانها وفتياتها إلى جانب 30 جريحاً.. هذا الكيان هدد برد من النوع «المزلزل» ويقول إنه قاب قوسين من تنفيذه، لكن «وهنا كل القصة» يريد أولاً ضمان أن يكون الرد على الرد محدوداً، أي ألا يكون رد حزب الله على هجوم إسرائيلي مزمع على لبنان من النوع الذي يضاعف حرج الكيان ومآزقه، ويعرّي أكثر فأكثر ضعفه. وعلى قاعدة «الرد المحدود» يتم التفاوض، حيث يركز المسؤولون الدوليون المعنيون في معظم محادثاتهم مع الجانب اللبناني على هذه القاعدة بزعم أنهم يريدون الاحتواء ومنع تدحرج التصعيد نحو الحرب الموسعة التي ستكون بدايتها من لبنان.

فشل الاستغلال
ولم يكن خافياً على أحد، منذ اللحظة الأولى، أن الكيان الإسرائيلي سيستغل هذه المأساة ليبني عليها موقفاً أميركياً ودولياً يسوغ ويبرر له تنفيذ هجوم أوسع على لبنان.. ورغم أن دماء الضحايا الأبرياء من أبناء مجدل شمس على أيدي متزعمي الكيان، تفضح النيات والدوافع والأهداف إلا أن الكيان يواصل فجوره متلطياً وراء دموع الأمهات والآباء ليدعي إنسانية لا يمت إليها بصلة، ويقول إنه يدافع عن «مواطنيه» من خلال هجوم موسع على لبنان.

مشهد التشييع في مجدل شمس كان سورياً خالصاً ووطنياً خالصاً.. الأهالي التفوا حول بعضهم بعضاً مواساة وعزاء ورحمة للشهداء ولأهاليهم

بالمقابل، ليس كأبناء مجدل شمس من هو أقدر وأبلغ على الرد على من يريد أن «يقتل القتيل ويمشي في جنازته»، وكان ردهم بالغاً شافياً ووافياً منذ اللحظة الأولى في تعاملهم مع متزعمي الكيان الذين أرادوا الظهور أمام الكاميرات في مشهد التشييع ليسوّقوا للعالم صورة كاذبة مخادعة بأن هؤلاء «مواطنون» إسرائيليون وليسوا مواطنين سوريين ما زالوا على نضالهم وكفاحهم من أجل التحرر وإعادة رباط الوطن مع سورية.
جاء مشهد التشييع أمس ليكون سورياً خالصاً، ووطنياً خالصاً، حيث التف أهل مجدل شمس حول بعضهم بعضاً مواساة وعزاء ورحمة للشهداء ولأهاليهم.
صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية كشفت عن رفض عائلات الشهداء في مجدل شمس طلب بنيامين نتنياهو، متزعم حكومة الكيان الإسرائيلي، ترتيب لقاء معها لتقديم التعازي، وقالت: إن مكتب نتنياهو تواصل مع بعض ممثلي الأهالي في سبيل ذلك، لكن الرد جاء بالرفض.
وكان العديد من متزعمي الكيان الذين وصلوا إلى مجدل شمس، قد تعرضوا للطرد، ومنهم وزير المالية بتسلئيل سموترتيش، حيث صرخ الأهالي في وجهه: «لا نريدك في الجولان..اخرج من هنا.. أنت قاتل».

الكيان مقتنع بأن لا قِبل له بهجوم موسع على لبنان وإن كان فعلياً يريده وبالتالي فهو يعمد إلى تصعيد تهديداته حتى يتقاطر الآخرون لممارسة الاحتواء والتفاوض والبحث عن مخارج

المفارقة هنا هي أنا كل وسائل الإعلام، حتى الغربية، نقلت موقف أهالي بلدة مجدل شمس، وتأكيدهم أن الكيان الإسرائيلي هو من قتل أبناءهم، وهم أطفال ويافعون ما بين 10 و 20 سنة من أعمارهم، فمن يقتل أطفال غزة لن يمتنع عن القيام بالمثل تجاه أطفالهم.. مع ذلك نجد هذا الإعلام الغربي يصطف بفجور مطلق إلى جانب القاتل ويتبنى روايته ويشرعن له «حق الدفاع عن النفس وعن مواطنيه» ..«عن مواطنيه» الذين هم باعتراف المجتمع الدولي بأممه المتحدة، مواطنون سوريون بالأرض والهوية والانتماء.

الكيان يعود أدراجه
بكل الأحوال، إذا كان الغرب، وفي مقدمته أميركا، يتعامى عن هذه الحقيقة، فإنه بالمقابل لا يستطيع التعامي عن مسألة أن أي هجوم إسرائيلي موسع على لبنان سيقود إلى توسيع دائرة الحرب، وبصورة تخرج عن إمكانية السيطرة والاحتواء، لذلك هو يعمل على تجنبها أو لنقل تأجيلها أو تأخيرها إلى حين تنضج كل الظروف لتصب نتائجها في مصلحة الكيان (وأميركا من خلفه).. أما الآن فمن المتوقع أن تكون هناك ضربة إسرائيلية ولكن ليس بالمستوى الذي تحدث عنه متزعمو الكيان.. ونلاحظ كيف أن مسار التبريد يتبدى في العديد من التصريحات، بما فيها الإسرائيلية.
ومع ذلك، فإذا ما تم احتواء التصعيد الحالي، الموصوف بالأخطر حتى الآن، فهذا لا يعني احتواء الوضع المتأزم، ثم ماذا عن التصعيد القادم؟.. كثير من المراقبين والمحللين يتحدثون عن أنه لا بد أن يأتي تصعيد من النوع الذي لا يمكن احتواؤه إذا ما استمر المسار على هذه الحال.. تصعيد ينفجر بوجه الجميع ويفرض الحرب الموسعة عليهم.

إذا ما تم احتواء التصعيد الحالي – الموصوف بالأخطر حتى الآن- فهذا لا يعني احتواء الوضع المتأزم.. ثم ماذا عن التصعيد القادم الذي لن يتأخر على الأغلب؟

مساء أمس الأحد، وبعد ثلاث ساعات من البحث والمناقشات في «كابنيت» الحرب، كانت النتيجة تفويض نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت باتخاذ القرارات بخصوص «الرد على حزب الله» وفق هيئة البث الإسرائيلية.
وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية فإن المجلس الوزاري المصغر «الكابنيت» حدد الهدف الذي ستتم مهاجمته في لبنان، والتقديرات أن يكون محدوداً ولكن بتأثير قوي.
ويريد الكيان الإسرائيلي من ذلك توجيه «ضربة موجعة» لحزب الله من دون «الانجرار إلى حرب إقليمية موسعة» تستقطب إيران إليها، حسب ما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلاً عن مسؤولين في حكومة نتنياهو.
هذا يعني أن الكيان الإسرائيلي مقتنع بأن لا قِبل له بهجوم موسع على لبنان، ولا على حزب الله، وإن كان فعلياً يريده، ولأن الحال كذلك فهو يعمد إلى تصعيد تهديداته إلى أعلى مستوى حتى يتقاطر الآخرون لممارسة عمليات الاحتواء والتفاوض والبحث عن مخارج، على قاعدة منع الحرب الموسعة، وهذا أمر يخدم الكيان، ويلجأ إليه في كل مرة.

الرد.. والرد
وفي هذا الإطار، من المتوقع أن يصل موفد بريطاني إلى لبنان يوم الأربعاء المقبل، وعليه فإن «الرد» الإسرائيلي لن يكون قبل ذلك، وربما يكون هناك موفدون آخرون يتولون مهمة الاحتواء، وإن كانوا في لبنان لن يتوانوا عن ممارسة الضغوط «على قاعدة التهديدات المُقبلة التي لا قِبل للبنان بها» لضمان أن يكون رد المقاومة اللبنانية محدوداً.
وكانت «هآرتس» قد نقلت عن مصادر دبلوماسية، لم تسمها، قولها: إن التهديد بحرب واسعة النطاق يتوقف على رد فعل حزب الله على الضربة الإسرائيلية، مضيفة: إن الولايات المتحدة وفرنسا تحاولان منع الكيان من استهداف بيروت أو غيرها من المدن اللبنانية الكبرى.
بالمقابل نقلت «روسيا اليوم» عن مصادر خاصة أن حزب الله أبلغ «يونيفيل» بأن أي تصعيد إسرائيلي باتجاه بيروت أو المدنيين سيتم الرد عليه باتجاه العمق الإسرائيلي، وأي تصعيد يمكن أن يجر المنطقة إلى حرب مفتوحة.
وأضافت المصادر: إنه «مهما كان وصف وحجم الرد الإسرائيلي سيكون له ما يقابله»، مؤكدة أن «حزب الله واضح فيما يخص الخروج عن قواعد الاشتباك الذي سيكلف العدو كثيراً»، وأنه سيتعامل مع أي عدوان على قاعدة الرد بالمثل.
وكان حزب الله قد نفى فورياً وبصورة مطلقة المزاعم الإسرائيلية بأنه المسؤول عن الصاروخ الذي أصاب بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل يوم السبت الماضي.
بالعموم فإن التهديدات الإسرائيلية بهجوم موسع على لبنان ليست جديدة، ولن تتوقف، لكنها بالمقابل لن تتحقق، فبقدر ما يريده الكيان الإسرائيلي (أي الهجوم الموسع) بقدر ما يعجز عن تحقيقه لعجزه عن تغيير الظروف الإقليمية والدولية لتكون أكثر دعماً وتمريراً لهذا الهجوم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار