المنطقة في «ذروة تصعيد» جديدة.. والعدوان الإسرائيلي اليوم على دمشق يضع الإقليم في وضعية «المخاطر عالية الشدة».. ماكغورك في الكيان غداً لإدارة الهجوم على رفح
تشرين – مها سلطان:
ما زالت «ذروة التصعيد» التي تستقر فيها المنطقة منضبطة ومضبوطة دون أن يعني ذلك الركون إلى حالة اطمئنان إلى أن القادم لن يكون كارثياً في حال انفلتت حالة الضبط والانضباط من قبل أحد الأطراف، ولو لثانية واحدة، باتجاه الانفجار الكبير، رغم أن المراقبين بمجملهم يرون أن إدارة حالة الضبط والانضباط ما زالت عملية جيدة مقارنة باتساع ذروة التصعيد… ربما لأن هناك بالمقابل حالة «افتراق مسارات» إذا جاز وصحَّ لنا التعبير، يرصدها المراقبون، مشيرين إلى «مفاجآت» قادمة، ستوسع حالة الضبط والانضباط باتجاه نوع من التهدئة أو لنقل «هدنة إلى حين» ستبدأ من غزة ربما، أو من أحد المسارات التي تتشكل حالياً في المنطقة وبما قد يقود إلى حالة هدنة دائمة ستكون مختلفة هذه المرة إذا ما أخذنا بالاعتبار كل مفرزات عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي وحتى الآن، على المنطقة العربية، والإقليم.
المنطقة تستقر في «ذروة تصعيد» منضبطة ومضبوطة وفق إدارة جيدة حتى الآن.. وحديث عن مسارات جديدة قد تتشكل في ظل كل مفرزات عملية طوفان الأقصى عربياً وإقليمياً
هذا لا يعني أن «ذروة التصعيد» ستنتهي قريباً، ما زال لدى كل الأطراف في المنطقة «والمعنيون خارجها» أوراق مهمة تطرحها، تصعيداً وتهدئة، ومع كل تصعيد جديد تغرق المنطقة أكثر في حالة اللايقين «والمخاطر عالية الشدة».. حتى الآن لا يملك أي من المراقبين والمحللين تصوراً محدداً لمسار ذروة التصعيد، ولا متى تنتهي، وكيف، وعلى أي نتائج.. والأهم إلى أي فترة ستبقى الأطراف في المنطقة وخارجها، متمكنة من عملية الإدارة الجيدة لحالة الضبط والانضباط، وماذا عن مسألة تغير الخطط والأهداف وما يسمى «الخطة ب».. دون التقليل من أحداث غير متوقعة تقلب الوضع رأساً على عقب.
– عدوان جديد
اليوم دفع الكيان الإسرائيلي، ومن ورائه الولايات المتحدة، المنطقة نحو تصعيد جديد، مع العدوان الذي نفذه على منطقة كفرسوسة في دمشق، وهو عدوان يُضيف مزيداً من الضغط على «ذروة التصعيد».. قد يكون هذا هو الهدف، وقد يكون، كما هو معتاد استهداف لشخصية أو شخصيات «وفق قاعدة الحرب بالاغتيالات» وقد يكون الهدف في اتجاه آخر لا يبدو واضحاً بصورة كبيرة في الوقت الحالي، لكن وبكل الأحوال يتفق المراقبون على أن الكثير جداً من المخططات والأهداف ما زالت طي الأدراج المغلقة بإحكام.
مع ذلك فإن هذا العدوان الإسرائيلي الجديد على سورية، لن يحرف الأنظار سوى قليل عن جبهة غزة، والعدوان الإسرائيلي المرتقب بين ساعة وأخرى على مدينة رفح جنوب قطاع غزة. الكيان الإسرائيلي لا يبدو في وارد عدم العدوان على رفح استجابة للضغوط والتحذيرات المتواصلة، بل هو مع كل ضغط وتحذير يخرج ليعلن إصراره على العدوان.
بالأمس حذرت منظمة «أطباء بلا حدود» من أن أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح ستحولها إلى «مقبرة» من مليون ونصف مليون فلسطيني، من أهلها وممن نزح إليها هرباً من العدوان الإسرائيلي المستمر منذ حوالى خمسة أشهر على قطاع غزة.
المديرة التنفيذية للمنظمة في الولايات المتحدة، أفريل بنوا، قالت خلال مؤتمر صحفي أمس، عقدته مع عدة منظمات إغاثية دولية أبرزها أوكسفام والعفو الدولية: رفح هي آخر خط يمكننا من تقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة ومهاجمتها تعني قطع شرايين الحياة عن الناس الذين فقدوا كل شي في الحياة.
واستطردت بنوا: يجب على الولايات المتحدة والدول الأخرى أن تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة لأنه السبيل الوحيد لمنع مزيد من المعاناة هناك.
وأشارت بنوا إلى أن الفرق التابعة للمنظمة لا تزال تشهد على حرمان الناس من الرعاية الصحية بسبب تكرار الهجمات على المنشآت الصحية، مشيرة إلى أن إحدى الطبيبات أخبرت المنظمة أنها تكتب أسماء الأطفال على أرجلهم وأذرعهم حتى تتمكن من الوصول إليهم إذا لقوا حتفهم.
– الهجوم الوشيك
هذا التحذير الجديد من قبل منظمة أطباء بلا حدود، تزامن مع إعلان جيش الكيان الإسرائيلي أن عملياته في خان يونس توشك على الانتهاء، وأنه سينتقل قريباً إلى رفح، ونقلت إذاعة جيش الكيان عن مسؤولين عسكريين قولهم إن «العمليات في خان يونس جنوبي قطاع غزة على وشك الانتهاء «ومن المتوقع أن يتم اتخاذ قرار في الأيام المقبلة بشأن الهجوم المحتمل على رفح».
– ما زال لدى كل الأطراف في المنطقة (والمعنيون خارجها) أوراق مهمة تطرحها تصعيداً وتهدئة.. ومع كل تصعيد جديد تغرق المنطقة أكثر في حالة اللايقين
أيضاً تزامن مع تصريح جديد صادم «بالنسبة للداخل الإسرائيلي» حول المتحتجزين صدر عن وزير مالية العدو الإسرائيلي يتسلئيل سموتريتش، قال فيه إن عملية استعادة المحتجزين ليست أولوية. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن سموتريتش قوله: هذا الملف ليس الملف الأكثر أولوية لدينا «لأن الأكثر أولوية هو تدمير حماس».
هذا التصريح ضاعف غضب المستوطنين، خصوصاً من ذوي المحتجزين، وأخرجهم في تظاهرات جديدة ضد متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو وبما يوسع أزمته السياسية والحكومية والميدانية، مع المستوطنين من جهة، ومع أعضاء حكومته من جهة ثانية، ومع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من جهة ثالثة، والتي تسعى – وفق المزاعم المتداولة- لاستبدال نتنياهو بآخر من أعضاء حكومته.
– زيارة ماكغورك
ومع اقتراب العدوان على رفح وفق المُعلن إسرائيلياً، يَحط مسؤول أميركي جديد في المنطقة، هو بريت ماكغورك، مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يصل ماكغورك إلى الكيان الإسرائيلي غداً الخميس وفق صحيفة «يسرائيل هايوم» الإسرائيلية، مشيرة إلى أنه سينضم إلى لقاء موسع مع «كابينيت الحرب». وحسب الصحيفة فإن ماكغورك سيلتقي نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وما يسمى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي.
وتأتي زيارة ماكغورك غداة فيتو أميركي جديد في مجلس الأمن ضد وقف إطلاق نار إنساني في غزة، والفيتو الأميركي هو الثالث منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة قبل حوالى خمسة أشهر، رغم أن مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي قدمته الجزائر إلى مجلس الأمن، في جلسة عقدت أمس الثلاثاء، نال 13 صوتاً لصالحه مقابل امتناع بريطانيا، ثم الفيتو الأميركي.
– «أطباء بلا حدود» تحذر من أن أي عدوان على رفح سيحولها إلى مقبرة.. لكن هذه التحذيرات وغيرها لن تمنع العدوان الذي تدعمه واشنطن بزيارة ماكغورك
أيضاً تأتي زيارة ماكغورك مع تكثيف واشنطن عملها باتجاه تحقيق هدنة قبل حلول شهر رمضان، في ظل اتساع التحذيرات داخل الكيان الإسرائيلي من أن هذا الشهر سيكون كارثياً على الكيان في حال لم يتم التوصل إلى هدنة من ضمنها اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين (وتالياً وقف مؤقت لإطلاق النار يستعيد الكيان خلاله بعض الأنفاس). ومن المتوقع أن ينضم ماكغورك إلى مسار التفاوض حول الهدنة الذي يجري في العاصمة المصرية القاهرة، والذي كان قد بدأ مؤخراً بصورة مكثفة مع زيارة مدير الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» وليم بيرنز الأخيرة قبل نحو عشرة أيام إلى القاهرة.
وحسب تصريحات ماثير ميلر المتحدث باسم الخارجية الأميركية خلال مؤتمر صحفي أمس فإن بلاده « ترغب بالتوصل إلى هدنة قبل بداية شهر رمضان.. وترغب بالتوصل إليها في أقرب وقت ممكن.. قبل نهاية الأسبوع».
– خداع إعلامي
لكن المؤشرات من جانب الكيان الإسرائيلي لا تخدم هذه الرغبة الأميركية، في حين أن مسار التفاوض لم يتقدم خطوة واحدة منذ انطلاقه قبل نحو شهر، وحسب مصادر مطلعة فإن هذا المسار ما زال في مرحلة الحديث عن اتفاق إطاري ولم يذهب بعد إلى مرحلة تحديد الأسرى ضمن صفقة التبادل.
وحسب الجانب الفلسطيني فإن الكيان يعرقل التوصل لأي اتفاق لتبادل المحتجزين ويعطل كل محاولة جديدة للتوصل لوقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن الكيان يمارس عملية خداع إعلامي ويدعي أن هناك حراكاً باتجاه صفقة تبادل في حين أن الأمور ما زالت في المربع الأول، والكيان لا يريد أي شكل من أشكال وقف العدوان.