خبير مصرفي يقيّم تجربة الدفع الإلكتروني في سورية… قرارات حبس السيولة تزيد أعداد الحسابات والسحوبات والإيداعات.. وثقافة الدفع الإلكتروني ستبقى ضحلة مادام لا يمكن تغذية الرصيد والتسديد في معظم المحلات

دمشق – ماجد مخيبر:
أوضح الدكتور دريد درغام الحاكم الأسبق لمصرف سورية المركزي، أن الدفع الإلكتروني يشكل ضرورة قصوى للشمول المالي، بحيث يتم تمكين الأفراد والشركات من الوصول الفعال والرخيص والمستدام إلى الخدمات والمنتجات المالية القادرة على تلبية احتياجاتهم من تبادلات ودفع وادخار وإقراض وتأمين.
كما أشار درغام خلال محاضرة له نظمتها جمعية المحاسبين القانونيين حول الدفع الالكتروني بعنوان: “ملامح التحديات وآفاق قدرة قطاع الأعمال السوري على تبنيه” إلى أن قطاع الأعمال السوري يعاني من زمن وتكلفة سحب ونقل وعد وكشف تزوير وتخزين الأوراق بسبب التضخم الكبير في سنوات الحرب، بالإضافة إلى نقص عدد المنافذ التقليدية المتاحة؛ “فروع، مكاتب، معتمدين” للسحب والإيداع والتحويل.
تعثر الدفع الإلكتروني والشمول المالي “نقص القدرة الشرائية”
كما بين المحاضر أن تعثر الدفع الإلكتروني والشمول المالي مرده إلى عدة أسباب منها: نقص القدرة الشرائية في عام 2024 سقف الشراء POS إلى 50 مليوناً والشراء بتطبيقات الجوال والتجارة الإلكترونية 25 مليوناً، من المستفيد؟ وكذلك ذوو الدخل المنخفض ينفرون من الدفع الإلكتروني ويرفضون الادخار بالمصارف بسبب التضخم وقيود السحب والكاش مثالي بالنسبة لهم لتنفيذ المشتريات وتجنب الضرائب.
وحسب الدكتور درغام فإن ثقافة الدفع الإلكتروني ستبقى ضحلة مادام أن المودع لا يمكنه تغذية الرصيد أو التسديد في معظم المحلات أو على الأقل الأقرب إليه، كما إن الفواتير إلكترونياً تزيد تكلفة التغذية والتسديد “معظم أرباح المؤسسات المالية من العمولات” وقرارات حبس السيولة “سقف السحب وإيداع نصف قيمة بيع العقارات والسيارات.. وتأمينات المنصة” كلها قرارات تزيد بشكل مصطنع أعداد الحسابات والسحوبات والإيداعات “بالمصارف الخاصة 1.3 تريليون في 2020 إلى 3.1 في 2022 بينما التضخم الرسمي أربع مرات”

تعثر الدفع الإلكتروني والشمول المالي “الحصار والعقوبات”
كما أشار درغام الى أن الدفع الإلكتروني والشمول المالي تأثر بالحصار والعقوبات لجهة علاقات المراسلين والتوريدات وتحديث التجهيزات والبرمجيات وفي ظل غياب بنية مصرفية جيدة ومحول وطني تسامحت بعض الدول الفقيرة في غلبة شركات الجوال على المصارف في نشر الدفع الإلكتروني، ما هي رؤية سورية حول بنية الدفع الإلكتروني واستراتيجية خفض الكاش لصالح الدفع الإلكتروني ويتناقض ازدهار الكاش بشركات الحوالات مع توجه الشمول المالي والدفع الإلكتروني “عددها أكثر من 400 فرع تجاوزت نصف عدد فروع ومكاتب باقي المؤسسات”.

تعثر الدفع الإلكتروني والشمول المالي بسبب الكهرباء والاتصالات واللوجستيك عموماً
يفترض بالشمول المالي أن يكون معمماً ولكن تباين مستوى البنية التحتية بين المناطق والشرائح يعوق انتشاره، وساهمت التطبيقات والشبكات في تحسين التحصيل الضريبي “برامج محاسبية معتمدة وربط إلكتروني يسمح للتاجر بإرسال الفواتير دفعة واحدة عند عودة الاتصال، ومعرفة نشاط التاجر تختلف جذرياً عن متطلبات تسديد المستهلك الذي يتطلب تشجيعه مقاربة مختلفة، كما تعثر الدفع الإلكتروني والشمول المالي بسبب غموض بعض القرارات والتعليمات .
في الواقع أعلن رسمياً في نهاية حزيران 2024 عن 1.46 مليون حساب إلكتروني للتسديد بالمقارنة مع مشتركي الخلوي فقط (16 مليون) وباقي مشتركي الكهرباء وغيرها نجد أن الرقم قليل. وعدد الحسابات الإلكترونية المفتوحة للتجار 10863 حساباً وبحسب المحاضر مادام أن التسديد الإلكتروني بمعظمه إجباري وليس طواعية ستبقى دوامة إعادة توزيع أدوار التعامل بالأوراق النقدية .

في العمق
كما تساءل الدكتور درغام قائلاً مادامت زيادة الحسابات “ولو قسراً لتسديد الفواتير” تعني المزيد من الودائع المجانية وبالتالي تنخفض التكلفة المرجحة على المصارف، لماذا لا تخفض المصارف فوائد القروض؟ فأعلى فئة نقدية 5000 لا تشتري ربطة خبز وريثما تكتمل البنية التحتية للدفع يجب طباعة فئات أعلى وسحب ما يعادلها “وفر تكلفة طباعة وطوابير واهتلاك آلات العد والترزيم وتخزين وموظفين ووسائل نقل وتأمين” فالتحول الحالي إلى الدعم النقدي مرهق للمواطنين “تنقلات، طوابير، عدم توافر كهرباء أو تصوير في بعض فروع المصارف”.

مقترح أول: تحويل أسهل لمستحقات الدعم إلكترونياً
فالحل البديل الذي قدمه المحاضر يتكون من مقترحين؛ الأول تحويل أسهل لمستحقات الدعم إلكترونياً فمعطيات الدعم بكاملها متوافرة لدى منظومة البطاقة الذكية في وزارة النفط وتستخدمها التجارة وتديرها الاتصالات، وبالتالي يمكن لمستحق الدعم النقدي من منزله أن يصرح المدعوم مع جوال ذكي عبر تطبيق وين “العادي عبر USSD” كما يلي:
إذا كان لديه حساب أو بطاقة يكتب رقم حسابه وفق نموذج مصرفه و من لا حساب لديه يحدد الفرع المصرفي الملائم لفتح حسابه وتمنح فترة شهر للتصريح “وهي كافية” ومن لا يلتزم يفتح حساب بأقرب فرع لعنوانه، تفتح بنهاية الشهر بالمعطيات المجمعة آلياً كل الحسابات “مجاناً” بانتظار التغذية
ويمكن منع السحب من الحساب قبل تفعيله بوجود صاحبه “حصراً” في المصرف المحدد كما يمكنه سحب المبلغ من القنوات المصرفية بالطرق المعتادة بأول عملية تغذية بالحسابات يقتطع المصرف عمولة بسيطة موحدة ويتعرف على رقم حسابه الجديد من التطبيق نفسه .

مقترح ثانٍ: إدارة أفضل الدعم لكل من المدعوم والجهة المعنية
منظومة البطاقة الذكية محولة للكميات، لم لا تدير الدعم النقدي بحيث يتم تحويل مبالغ الدعم إلى حسابات “متزامنة وفق ما ذكر آنفاً” أو على المنظومة وسيستفيد المدعومون من إمكانية سحب الكاش أو شراء المواد المدعومة مباشرة من نقاط البيع الموجودة سلفاً في الجهات المذكورة المنتشرة في كل المدن والقرى الكبيرة نسبياً، وستتخلص الجهات الموزعة للمواد المدعومة “محطات الوقود والمخابز ومنافذ السورية للتجارة” من الأوراق النقدية التي تشكل عبئاً عليها في التعامل والنقل اليومي إلى المصرف، علماً أن المقترح قابل للتطبيق بتعديل قرار 102 عام 2024 ويحقق نفاذاً سريعاً.

مقترح للشمول المالي أكفأ وأرخص ويوفر القطع الأجنبي
في سورية أكثر من 16 مليون جوال؛ 85% منها ذكي إمكانية اعتماد التطبيقات البرمجية والتعامل مع QRCODE أرخص وأكفأ منPOS&ATM المكلفة (شرا ء وصيانة)، حيث إن وجدت الكهرباء والاتصالات ووجدت نقطة البيع يمكن توليد الرمز لكل عملية بيع بشكل آني وتسديدها من التطبيق فوراً، وإٕذا غابت الكهرباء والاتصال الأرضي أو تقاعس التاجر يمكن إجبار جميع التجار على وضع QRCODE على الأبواب وبشكل بارز بالمحلات “طباعته ونشره أرخص بكثير من POS” فتنقل المبادرة من التاجر إلى المواطن وفي كلتا الحالتين يتم إثبات الدفع بين التاجر والمشتري ويتحقق ربط فوري مع هيئة الضرائب (أكفأ من الربط الحالي) عن طريق المحولات لجميع الفواتير أو بدءاً من عتبة معينة (تمهيد داعم للسياسة النقدية والمالية) ويبقى تعامل أصحاب الجوالات العادية بالكاش أو عبر USSD إن رغبوا ويمكن تعميم QRcode خلال بضع سنوات .

الأولويات
وفي ختام المحاضرة تطرق الدكتور درغام الى الحاجة لخطة خمسية متكاملة تعلن بها الأولويات ومنها سلاسة الدفع الإلكتروني مع بنية ضريبية مواكبة ومشجعة على الإفصاح و تعزيز رسملة مؤسسات المال وحصة اليد العاملة من الربح وخفض عمولات الدفع وفوائد الإقراض مع زيادة الحسابات الجارية المجانية اللازمة للدفع الإلكتروني ويوفر انتشار قنوات الدفع في منافذ البيع مؤشرات عن نشاط مجتمع الأعمال، يمكن الموردين والمقرضين من معرفة القدرة على التسديد واعتماد شجرة محاسبية لكل قطاع رئيسي سيسمح بتحليل البيانات المالية الضخمة بما في ذلك أهم عوامل الإنتاج (وقود)، ما يسهم في تخطيط أسلم للمستقبل، مع الإفصاحات الدورية وخاصة من المؤسسات المالية حق للناس بالأخص الباحثين والصحفيين: بيانات ومخططات محدثة وقياسية بدلاً من نسخ PDF إن وجدت.
كما يجب التمييز بين عمال (يستحقون رفع الدخل) ومداومين (يستحقون رواتب بطالة بانتظار فرص عمل مختلفة بالقطاع الخاص) وتحويل مستحقاتهم بأسلوب الدعم النقدي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار