حربُ القنبلةِ واللقمة
لايبدو أن ثمةَ نيّاتٍ لإطفاء بؤر التّوتر المتّقدةِ حول العالم والتي قد نضجت، بما أن خلفيات الصراع لم تعدْ ثنائيةً متفرقةً، بل قطبية عالمية الطابع.
ولم تنسَ القوى الكبرى في الكباش المحتدم، التلويح بأوراقها الاقتصادية، بل نستطيع الجزم بأن الحرب ببعدها العميق هي حرب اقتصادية، تتخللها جولات عسكرية ساخنة.
فالذرة والقمح الأميركي أداة لاتقل أهمية، في استراتيجيات الهيمنة المطلقة، عن ترسانة السلاح الفتاك من البندقية الفردية وصولاً إلى تقانات الصراع السيبراني.
والقمح والغاز الروسي من أمضى وسائل الضغط الفاعلة، إن في الدفاع أو الهجوم، حيث تقتضي جولات الحسم المطلق.
كما أن الاقتصاد الصيني ومخرجاته بكل التوظيفات المعرفية التي ينطوي عليها، هو السلاح الأهم الذي يستخدمه التنين العنيد في ضرباته الموجعة.
هي أوراق رابحة من الطبيعي أن تلوح بها القوى الكبرى في حرب التكتلات، كما من البدهي أن تلوذ بها الدول والمجتمعات الصغيرة في بحثها عن معززات البقاء، بل والنجاة من آلة الإفناء التي ثبت أنها لا تكترث لأي حسابات إنسانية.
حرب ميزات – نسبية أو مطلقة لايهم – وعندما نتحدث عن ميزات يعني أننا أمام سلاسل ثروات، تبدو الزراعة أهمها وإن كانت أقلها تعقيداً، لأنها الدرع الأول والأخير في مواجهة تحدي الأمن الغذائي وهو الأخطر.
في مثل هذا المشهد العالمي من الصراع المستعر لانبدو ،نحن في سورية، بلا أدوات ومعززات تحصين ووقاية، لأن بحوزتنا مايكفينا من ميزات بل ويزيد.
ميزاتنا ليست في استثمارات اقتصاد المعرفة ولا الصناعات الثقيلة، بل في الزراعة بتفرعاتها.. والتصنيع الزراعي ببناه المتدرجة من الأسري الأصغر إلى الصغير والمتوسط.
وقد لا تكون مشكلتنا في التقاط هذه الحقيقة، بل في تجسيد إدراكها على الأرض، والواضح أننا بالغنا في الحديث عما يجب لكننا لم نفعل، وكأننا ننتظر مخلوقات فضائية لتتولى مهمة العمل وتنفيذ سياسات مزمنة مكتوبة ومركونة على الرفوف، لو جمعناها لكان وزنها بالأطنان.
لا أرقامَ دقيقةً وحاسمة ترشح عن أروقة إدارة القطاع الزراعي في بلدنا، لكن لم نلمسَ أي تردد عند اللزوم برشق الأرقام في وجه كلّ من يسأل أو يشكك، وكم كانت ثقيلة وطأة صدمات المفارقات بين الوقائع في الحقول والأسواق وبين ورقيات المكاتب وتداولات الاجتماعات الرسمية، لكن دوماً سينتصر من يتسلح برقم ولو كان غير دقيق، بما أن لا رقمَ مضادَ يدحض ويحسم.
لكن دعونا نعترف أن مهمة إعادة إنعاش قطاع الزراعة، ليست مهمة خاصة بالوزارة المشرفة، بل هي مهمة وطنية كبرى يجب أن يضطلع بها “ائتلاف” وزارات واتحادات وهيئات ومجالس.. لأن المسألة ليست مجرد حالة تنموية، بل حالة مصيرية في زمن تحديات الأمن الغذائي.. وحرب الغذاء.. والسباق العالمي إلى مكامن اللقمة قبل مكامن الثروة.
زراعتنا أقوى سلاح دفاع وإنقاذ في معركة اقتصاد وغذاء وسطوة عالمية كبرى، لكننا لم نجدد ولم نشحذ ولم نطور هذا السلاح، وهذه أحجية عصيّة على الفهم حتى الآن.
لن ندخل في جدل حول الوقائع، ويكفي أن نعلم أن ثمة انحساراً كبيراً في مساحات الأراضي المزروعة، وتقهقراً في أعداد قطعان الثروة الحيوانية من الأبقار والأغنام والماعز والدجاج.. وحتى العصافير.
ننتظر أن تعلن الحكومة نفيراً زراعياً، وتوزع الأدوار بدقة ولاتستثني مواطناً بحوزته، حتى لو كان دونماً واحداً، وتعلن لائحة المهام باجتماع صاخب، وسيكون اجتماعاً تاريخياً، رغم تراجع ثقتنا بجدوى الاجتماعات، لكننا نأمل وننتظر ونتفاءل.