برمج أحد المواقع الإعلامية العربية (مذيعة) بوساطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأعطاها ملامح عربية، وألبسها ألبسة عصرية، وأطلق عليها اسماً عربياً، وأعطاها نسباً لعائلة عربية، فقام أحد التلفزيونات الغربية الناطقة بالعربية، بإجراء مقابلة مع هذه (المذيعة الافتراضية)، وعلى عادة العرب افتخرت المذيعة المبرمجة بنسبها وعائلتها، على اعتبار أنها سليلة خوارزميات متطورة…. فهل بدأ العرب الانخراط في اعتماد تقنية الذكاء الاصطناعي بالفعل، أم إنّ هذه المذيعة لم تكن لتحظى بالبرمجة والولادة والوجود، لولا الإمكانات المادية المالية المتوافرة للمنصة الإعلامية التي أطلقتها ؟؟؟ وهل يمكن لهذه التقنية أن تحلّ محل الإنسان؟؟؟
شاهدتُ هذه المذيعة الافتراضية وهي تقدّم وصلة أخبار، هي تقرأ بشكل جيد، تقطّع الجمل والعبارات (كما يقول أولاد الكار) بطريقة صحيحة، ومن إيجابياتها أنّها لا تخطئ أو تتغابى، كما تفعل بعض المذيعات، ولكني أرى أن هذه المذيعة المبرمجة غير مجدية وغير مؤثرة، لأنها ببساطة غير مقنعة للمشاهد، وعدم قدرتها على الإقناع برأيي سببه أنها فاقدة للروح، لا روح فيها لأنها آلة، ولا روح في قراءتها لأنها صادرة عن آلة، وانعدام الروح في الخبر أو المادة المقدمة يوحي للمتلقي أن (شيئاً ميتاً) في تضامين ما يتلقاه، وهنا نكتشف أهمية خطأ أو تغابي بعض المذيعات، لأن مثل هذه الأخطاء أو الغباء يؤكد للمتلقي أنّه يتواصل مع رسائل حية، ومع روح حية ومع معانٍ حية، وهذا ما يولد الإقناع لديه تلقائياً، وهذا ما يجعل مستقبل هذه المذيعة الافتراضية محصوراً في تقديم الأخبار الميتة الروح، وهذه الأخبار صحيح أنها أفضل من الإعلام المتعفن الذي يقدم الأفكار المتفسخة والسامة، لكنه إعلام (ميت الروح) مهما كان نسبه قوياً إلى خوارزميات عظيمة ..
أما عن اختطاف هذه التقنية لوظائف البشر وما جاء عن بنك الاستثمار الأمريكي من أن تقنية الذكاء الاصطناعي ستقضي على 300 ألف وظيفة، فإنّ هذه المذيعة الافتراضية في المقابلة التي أُجريت معها، قالت إنها ترفض هذه المزاعم باعتبار لا شيء يحل محل الإنسان، وقالت المذيعة الافتراضية أنّه لولا الإنسان لما كان لها وجود، وأن لمسة إنسان على الكمبيوتر يمكن أن تلغيها كلها ..
تقنية الذكاء الصناعي تحتاج إلى ذكاء استخدام هذه التقنية، بحيث نوجه نشاطنا عبرها لتثمير الجهد البشري، ولتعظيم الناتج الإنساني من دون أن نقع في عقدة خوف منها فوبيا الذكاء الاصطناعي تشلّ الإنسان عن الاستفادة منه، كما أن الخضوع التام له يقتل الروح الإنسانية، لذلك فإنّ الحل المفيد يكمن في أن نتسلح بالروح الإنسانية في تقدير ابتكارات الإنسان عبر استثمارها بكل ما يخدمه ويسعده. بعيداً عن الاستخدامات التي تلغيه أو تقتل روحه.