ملف «تشرين».. مليون إنسان في الحسكة بلا مياه منذ احتلال «التركي» رأس العين في 2019
تشرين – خليل اقطيني:
عندما أبلَغَنا محافظ الحسكة الدكتور لؤي صيّوح في منتصف نيسان الماضي بوجود “أخبارٍ طيبةٍ” عن مياه الشرب لسكان الحسكة، طالباً التريث بالنشر ريثما تصل المياه فعلياً- ومعه الحق في ذلك لأنه لا أمان للاحتلال ومرتزقته- وذلك ضمن اتفاق بعنوان: “الكهرباء مقابل الماء” بجهود منظمة اليونيسيف وبرعاية الأصدقاء الروس، كان وقع المعلومة علينا عادياً، واعترتنا العديد من الهواجس، رغم أن فترة انقطاع المياه كانت أطول فترة منذ أن وضع الاحتلال التركي ومرتزقته في 9 تشرين الأول 2019 أيديهم على المصدر الوحيد لمياه الشرب لمليون إنسان في الحسكة وضواحيها وتل تمر وقراها وهو محطة عللوك، إذ استمر الانقطاع 6 أشهر منذ مطلع تشرين الثاني من العام الماضي، وحتى نيسان من العام الحالي.
هذه المعلومة جعلت العديد من الأسئلة تتسابق إلى مقدمة الذهن: ترى ما الذي جعل قلب الاحتلال التركي يحنّ فجأة على أبناء الحسكة وتل تمر، ويريد إنقاذهم من ويلات العطش، الذي لولا هذا الاحتلال لما أصابهم؟ وماذا يريد الاحتلال التركي من هذه “الحنيّة”؟ وذلك لأن هذا الاحتلال لا يُقدّم شيئاً بلا ثمن.. ولماذا في هذا التوقيت بالذات وافق المحتل التركي ومرتزقته على تشغيل محطة مياه عللوك؟
المياه وصلت ولم تصل
وبالفعل عندما وصلت المياه إلى مدينة الحسكة في 20 نيسان اكتفينا بنشر الخبر في “تشرين” ومن ثم جلسنا نراقب الوضع، لنكتشف أن هواجسنا في مكانها، إذ إن مياه الشرب يجب أن تُضَخ يومياً نحو مجموعة من أحياء مدينة الحسكة وفق برنامج التقنين المقرر، لكن ما حصل أن المياه لم تكن تضخ إلا كل 4 أيام، وذلك لأن خزانات محطة تجميع الحَمّة لم تكن تمتلئ إلا كل 72 ساعة وأحياناً أكثر، علماً أنها لا تحتاج إلا إلى 12 ساعة فقط، والسبب حسب المدير العام لمؤسسة المياه المهندس محمود العكلة هو أن المحتل التركي ومرتزقته يرفضون دخول كوادر مؤسسة المياه إلى محطة الضخ في عللوك، كي يقوموا – أي المرتزقة – بتشغيلها بأنفسهم، مكتفين بتشغيل مضختين فقط من أصل 12 مضخة، ما يؤدي إلى ضعف ضخ المياه من محطة عللوك إلى محطة تجميع الحَمّة، وبالتالي استغراق خزانات التجميع وقتاً طويلاً كي تمتلئ، والذي يصل إلى 3 أيام على الأقل، ما جعل سكان كل مجموعة من أحياء مدينة الحسكة لا يحصلون على مياه الشرب إلا كل 25 – 20 يوماً.
العكلة: اعتداءات مستمرة على كهرباء محطة مياه تشغيل الآبار الزراعية
ورغم أننا نعرف السبب، بناء على الهواجس التي اعترتنا، آثرنا سماع ذلك من العكلة نفسه، إذ قال: حسب الاتفاق يتم تزويد محطة عللوك بكمية 7 ميغاواط من التيار الكهربائي من محطة تحويل كهرباء الدرباسية، تستهلك منها محطة عللوك 3 ميغا إذا عملت بكامل طاقتها، وتبقى 4 ميغا تكفي سكان المنطقة للاستخدامات المنزلية، مؤكداً أن إصرار الاحتلال التركي ومرتزقته على تشغيل مضختين فقط هدفه سرقة أكبر كمية من التيار الكهربائي من الخط المغذي للمحطة، عن طريق مد خطوط غير نظامية إلى القرى التي احتلوها من أجل تشغيل محركات الآبار الارتوازية لري الحقول الزراعية التي استولوا عليها بعد تهجير أصحابها منها، الأمر الذي يشكل ضغطاً كبيراً وحمولات زائدة على محطة تحويل كهرباء الدرباسية، ما يؤدي إلى رفع حجم الاستجرار الفعلي من الكهرباء من 3 ميغا وهي كامل حاجة محطة عللوك إلى 8 ميغا، الأمر الذي يؤدي إلى فصل الحمايات، لكون الحمولة تتجاوز استطاعة الخط.
أرادوا الكهرباء
ومن خلال كلام العكلة أدركنا أن المحتل التركي ومرتزقته لم تَرُق قلوبهم على السكان المستهدفين من محطة عللوك، البالغ عددهم نحو مليون إنسان، وإنما أرادوا الحصول على الكهرباء.. وبماذا تلزمهم الكهرباء في هذا الوقت بالذات؟
ما لم يقله العكلة تكشفه الوقائع على الأرض، إذ من المعروف أن شهر نيسان هو وقت الانتهاء من زراعة القطن، وهو شَرِهْ جداً للماء. وبما أن مرتزقة الاحتلال التركي زرعوا الحقول، التي هَجّروا أصحابها منها، بالقطن، فهم بحاجة لسقايته من الآبار الارتوازية الموجودة في الحقول.
ولا شك بأن تشغيل تلك الآبار على الكهرباء المتوافرة مجاناً من الخط المغذي لمحطة عللوك، أوفر بكثير من تشغيلها على المازوت الغالي جداً، ما يرفع تكاليف الإنتاج ويقلل الأرباح، التي لا يسعى إلى غيرها المرتزقة ومشغّلهم. وهذا يعني أن موافقة الاحتلال التركي ومرتزقته على تشغيل محطة عللوك، لم يكن الهدف منها تقديم المياه، وإنما الحصول على الكهرباء. ورغم أن الجدوى من تزويد محطة عللوك بالكهرباء مفقودة، استمرت شركة الكهرباء بإيصال التيار الكهربائي إلى المحطة، لكن المحتل التركي ومرتزقته أقدموا بتاريخ 23 حزيران الماضي على توقيف محطة عللوك بشكل نهائي كرد فعل على الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، بسبب التعديات والحمولات الزائدة على خط الكهرباء المغذي للمحطة، متناسين أنهم من يقفون وراء تلك التعديات.. وليعود سكان الحسكة وتل تمر إلى مواجهة “حرب التعطيش” التي يشنها عليهم الاحتلال التركي ومرتزقته للمرة السابعة والثلاثين.
“حرب التعطيش”
والشعار الذي رفعه سكان الحسكة وتل تمر في هذه المعركة التي أصبحت المواجهة فيها علنية، هو “العطش ولا الاحتلال” وذلك لأن هؤلاء السكان يدركون جيداً أن للاحتلال أهدافاً يريد تحقيقها من وراء “حرب التعطيش” التي يشنها عليهم. كما يدرك هؤلاء السكان حجم وضاعة وخِسّة تلك الأهداف بحجم وضاعة وخِسّة الاحتلال نفسه.
خاجو: أهالي الحسكة يواجهون «حرب التعطيش» ويتحدّون ممارسات المحتل
ولهذا يقول المهندس عدنان خاجو رئيس مجلس مدينة الحسكة: إن سكان المدينة ورغم صعوبة الأوضاع نتيجة قلة المياه من جهة وارتفاع درجات الحرارة في هذا الصيف اللاهب من جهة ثانية، يُسطّرون كل يوم ملاحم بطولية بالصبر والصمود في مواجهة العطش، ويعملون على استثمار الوسائل المتاحة بين أيديهم – رغم قلتها- بأقصى درجة، مستمدين من تلك الوسائل عوامل تعزيز الصمود وصولاً إلى النصر المؤزر بإذن الله.
وبيّن أن أبرز هذه الوسائل العمل على ترشيد استخدام المياه إلى أقصى درجة وخفض معدل هدرها إلى الصفر. في مقابل الاتجاه نحو استثمار المياه الخام للاستخدامات المنزلية، سواء من الآبار التي حفرها مجلس المدينة بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وعددها نحو 80 بئراً في مختلف أنحاء المدينة أو من الآبار التي حفرها الأهالي أنفسهم.
أما بالنسبة لمياه الشرب فذكر خاجو أن الأهالي يحصلون عليها من 3 مصادر: المصدر الأول الخزانات المركزية التي قام فرع الهلال الأحمر العربي السوري بتركيبها وسط المدينة وفي الأحياء المحيطة بها، بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية العاملة في المجال الإغاثي في المحافظة.
المصدر الثاني: محطات تحلية المياه العشرون، التي أقامتها الحكومة وبعض المنظمات الدولية، على عدد من الآبار في المدينة.
أما المصدر الثالث فهو شراء المياه من الصهاريج الجوّالة لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ولا يخلو الأمر من ظهور بعض المصادر الإضافية في بعض الأحيان، من خلال المبادرات أو “الفزعات” التي تنفذها بعض مؤسسات المجتمع المدني والأفراد، مشدداً على أن كل هذه المصادر لا تغني عن محطة مياه عللوك من حيث كمية المياه ونوعيتها.
منصور: الحرمان من مياه الشرب جريمة يُعاقب عليها القانون الدولي
ويؤكد المهندس خاجو أن كل هذه الإجراءات تترافق مع حملة إعلامية مكثفة من أجل إيصال الحقيقة إلى الرأي العام العالمي، وحثّ المجتمع الدولي على مواجهة “حرب التعطيش” التي يشنها الاحتلال التركي ومرتزقته على سكان المنطقة الأبرياء والعُزّل، وهذه جريمة حقيقية يعاقب عليها القانون الدولي.
مخالفة للقانون
أما علي منصور رئيس فرع الهلال الأحمر العربي السوري في الحسكة، فأكد أن الظروف الإنسانية القاسية التي يضطر أكثر من مليون مدني من أهالي محافظة الحسكة لعيشها نتيجة قطع المياه بشكل مُتَعَمّد، علاوةً على منع فرق الهلال الأحمر العربي السوري وكوادر مؤسسة المياه من الوصول الآمن إلى محطة مياه عللوك لإصلاح أعطالها وتأمين وصول مياه الشرب للمدنيين، أمرٌ مخالف للقانون الدولي الإنساني، مبيناً أن منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وضمن ما تمليه عليها واجباتها الإنسانية لم تقف مكتوفة الأيدي وقدمت العديد من المبادرات لتأمين مياه الشرب لسكان الحسكة، بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية العاملة في المجال الإغاثي في المحافظة.
ومن هذه المبادرات الاستمرار بتعبئة الخزانات المركزية التي تم تركيبها وسط المدينة والأحياء التابعة لها بالمياه الصالحة للشرب بشكل دوري مرتين في اليوم على الأقل، من دون أن تنسى المنظمة – يتابع منصور- الحاجة لتركيب المزيد من تلك الخزانات لمواجهة الطلب المتزايد على مياه الشرب، وخاصة في هذه الفترة ذات الحرارة المرتفعة.
زيادة الخزانات المركزية ومحطات التحلية مطالب محقة للسكان
وأعلن منصور جهوزية منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وفرقها، بالتعاون مع مؤسسة المياه والمنظمات الدولية، للمباشرة بصيانة محطة مياه عللوك فور ضمان الوصول الآمن إليها.
مطالب محقة
ولمواجهة “حرب التعطيش” التي يشنها عليهم الاحتلال التركي ومرتزقته، يطالب أبناء الحسكة بتركيب المزيد من الخزانات المركزية ومحطات التحلية، ولاسيما أن هناك نحو 60 بئراً جاهزة لتركيب محطات تحلية جديدة عليها، وهذا من الممكن تحقيقه سواء من خلال المؤسسات الحكومية أو من خلال المنظمات الدولية، وهذه مطالب محقة، لأنه لا يوجد شعب تعرض لحرب تعطيش ممنهجة منذ 2019 وحتى الآن مثل أهالي الحسكة.
اقرأ أيضاً: