ملف «تشرين».. مرة أخرى تسقط الأقنعة عن منافقي الإنسانية والمتشدّقين بالديمقراطية.. كارثة الزلزال.. من يكسر الحصار الأميركي والغربي.. من ينصف سورية وأهلها؟

تشرين– مها سلطان:
في هذه الأيام، لا شك في أن الولايات المتحدة تشعر بأنها محاصرة بفعلِ كمِ الأخبار والمشاهد المؤلمة والمروعة التي تملأ الفضاء الإعلامي على مدار الساعة، حول الزلزال الذي ضرب سورية (ممتداً من تركيا) فجر يوم الإثنين الماضي مُخلفاً وراءه عشرات الضحايا والمصابين، والخسائر المادية الجسيمة..
– لا شك في أن أميركا تشعر بالحصار وهي ترى كيف يتم ربطها مباشرة بكل خبر، بكل صورة، لضحية من ضحايا الزلزال، أو لمن ما زال ينتظر تحت الأنقاض فيما فرق الإنقاذ تعجز عن الوصول إليه في ظل ضعف المعدات والتجهيزات، كيف لا وأميركا تحاصر كل شيء في سورية حتى المستشفيات ومعامل الأدوية، وتمنع عنها المواد اللازمة لإنتاج الدواء، والتجهيزات الطبية، حتى مشافي الأطفال لم تسلم من الحصار..
– لا شك في أن أميركا تشعر بالحصار، وفي كل خبر وصورة، هناك تجريم لها ولحصارها الاقتصادي التصاعدي الذي تفرضه منذ 12 عاماً..

– لا شك في أن أميركا تشعر بالحصار وفي كل خبر وصورة تتسع الدعوات والحملات والمطالبات لها برفع حصارها ووقف حرب التجويع التي تشنها ضد الشعب السوري وغيره من الشعوب الحرة الأبية التي ترفض إملاءاتها وأطماعها..
– لا شك في أن أميركا تشعر بالحصار، وفي أعلى كل خبر وصورة هناك «وسم.. أميركا مجرمة» فلنعاقب المجرم، لنكسر حصاره على سورية وأهلها، لنطرده منها ومن المنطقة، لنكن معاً يداً واحدة شعوباً حرة لا ننتظر إذناً من حكومات متآمرة متواطئة، ولا من سفارات وسفراء.. لا نراعي خاطر هذه الدولة أو تلك، ولا نساير شامتاً ولا متذرعاً باحترام القوانين الدولية في تبرير سقوطه الأخلاقي والإنساني تجاه سورية وأهلها.
– لا شك في أن أميركا تشعر بالحصار وهي التي لم تجد بمواجهة كل ما سبق سوى بضع كلمات نطقها جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي:«إن الولايات المتحدة قلقة بشدة حيال التقارير الواردة عن الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية.. وهي مستعدة لتقديم المساعدة».
طبعاً المساعدة هنا لتركيا، ثم تم إلحاق سورية، وهذا طبيعي فكيف بإمكان أميركا مساعدة الشعب السوري وهي تحاصره وفق خطط ممنهجة هدفها تركيعه وإخضاعه ودفعه للخروج على الدولة ليسقطها ويسقط معها في أتون الفوضى والحرب الأهلية.. هل ستوقف أميركا عقوباتها لبضعة أيام أو أسابيع ثم تستأنفها بعد ذلك.. أو أن أميركا ستعمل على إرسال شحنات مساعدات على غرار بقية الدول، أغذية وبطانيات وخيم؟

في سورية لا نريد من أميركا بطانيات ولا خيماً ولا أغذية، نريد منها أن ترفع يدها عن سورية، ترفع حصارها، تغادر هي وقواتها أراضينا، وتكف عن سرقتنا ونهب أرزاقنا وخيرات أراضينا.
في سورية، نعلم أن أميركا لن تفعل أياً من ذلك، وأن ما نحن فيه حالياً من تداعيات كارثة الزلزال لن يحرك شعرة في ضميرها، هذا إذا افترضنا أنه موجود أصلاً.
ربما أميركا تُمنِّي النفس بأن ما تشعر به من حصار لن يدوم سوى لأيام ثم يستأنف السوريون حياتهم، وينسى العالم كارثة الزلزال وكأن شيئاً لم يكن.. نعم سيستأنف السوريون حياتهم لكنهم لن ينسوا أميركا وحصارها وهم يدفنون أحباءهم، وهم يقضون سنوات وسنوات حزناً وألماً على فراقهم، ولن ينسوا من كان سبباً في كل ذلك.. صحيح أن الزلزال كارثة طبيعية لا شأن لأميركا بها، ولكن شأنها بالكامل أن هذه الكارثة كانت أشد وأقسى بفعل الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تفرضها ضدهم وضد بلادهم.
ولن ينسى السوريون من وقف معهم في مُصابهم، ومن تخاذل خصوصاً من القربى، ولن ينسوا مَنْ كَالَ بمكيالين بينه وبين شريكه في المُصاب من الشعب التركي الذي بلا شك يتعاطف معه ومع ضحاياه ويتمنى لو كان بإمكانه تقديم المساعدات، ولكن أميركا لم تترك للسوري شيئاً ليقدمه حتى لأفراد عائلته.. في سورية لن تجد مكاناً لمقولة إن «الكوارث في عالم المصالح لا تصلح كقضية إنسانية» صحيح أن النظام التركي كان شريكاً أساسياً في المؤامرة على سورية وهو محتل على أرضها، وهو جزء من الحصار وحرب التجويع الأميركية.. لكن السوري لا يمكن إلّا أن يكون مع الشعب التركي متعاطفاً معه، معزّياً له في أحبائه.. وحتى في خسائره المادية.

السوريون لن ينسوا أميركا وحصارها وهم يدفنون أحباءهم ويقضون سنيناً طويلة حزناً وألماً على فراقهم

لكن السوريين يحق لهم العتب على كل من كانت سورية ملجأ له على الدوام وهو الآن ينتظر إذناً من المحتل الأميركي ليَمُنَّ على سورية وأهلها بكلمات المواساة والتعاطف، وليس بإرسال المساعدات، فيما «لم يُقصّر» مع النظام التركي بالقول ولا بالفعل.
هذه المواقف المتخاذلة تحاصر أصحابها بالذل والهوان وتوسمهم بالجريمة الأميركية نفسها.. وهي في الوقت نفسه تحاصر أميركا أكثر فأكثر باعتبارها «لا ترحم ولا تدع غيرها يرحم».

.. ولا شك في أن أميركا تجد نفسها محاصرة بحملة تتصاعد على مستوى الشارع والرأي العام، حملة تطالب الحكومات بالتحرك لكسر الحصار الاقتصادي الغاشم الجاثم على سورية وأهلها، وهذه الحملة يبدو أنها أكثر ما تقلق أميركا لأنها:
– لم تطالب الدول والحكومات بإرسال المساعدة إلى سورية بل عمدت إلى تصعيد حملتها باتجاه التصويب مباشرة على الهدف الأساسي وهو رفع الحصار.
– لا تتوانى عن تسمية المتخاذلين المتواطئين وفضحهم أمام أنفسهم أولاً وأمام الرأي العام ثانياً.
– حملة غير منتمية، هي حملة وطنية عربية قومية، تنتمي للشعوب ولا تأتمر بما تريده الحكومات، لا يهمها مكاسب ولا مصالح، وترى أن الشعوب باتت على النقيض تماماً من حكوماتها، وأنه في عالم المصالح لا مكان للشعوب ومصالحها وهذا يقتضي أن تتكفل هي بمهمة تأمين مصالحها بنفسها، وهذا يكون بتثقيل تواجدها في الساحات ليكون صوتها مسموعاً ومؤثراً.
– هذه الحملة بدأت تُحدث تأثيراً، باتجاه توسيع الحرج الذي تضع به الحكومات المتواطئة، بوضعها مباشرة بمواجهة شعوبها وكيف ستبرر لهم موقفها المتخاذل تجاه سورية وشعبها.

من خذل سورية في هذه الكارثة من ذوي القربى سيحاصره خذلانه بالذل والهوان ويسمه بالجريمة الأميركية نفسها.. جريمة الحصار

في الأيام القادمة، عندما ينحسر مشهد الزلزال عن الفضاء الإعلامي، لا شك في أن أميركا ستعمل باتجاه «حملات فك الحصار عن سورية» ولا شك أن الحكومات المعنية ستساعدها.
فعلياً لا يمكن توقع أي تغيير في النهج العدواني الأميركي/ الغربي تجاه سورية هذا ما أكدته كارثة الزلزال، ولكن لماذا؟
– لأن هذا الزلزال الجيولوجي لم يصاحبه زلزال أخلاقي على مستوى المجتمع الدولي ومنظماته التي يفترض أنها أنشئت لحماية الإنسانية وصونها وإعلاء شأنه فوق كل شأن. وعلى رأس هذه المنظمات الأمم المتحدة التي ولدت من رحم الحرب العالمية الثانية لمنع الحروب ومنع الاعتداء بين دولة وأخرى وفق منطق الحكم للقوي، فإذا بها تنحاز وتتواطأ مع هذا القوي ضد المستضعفين في كل أنحاء العالم.
– لأنه.. ومرة أخرى أثبت زلزال سورية كما غيره من الكوارث والمآسي التي سبقته أن الإنسانية ما زالت عاجزة في عالم تحكمه المصالح والنزعات العدوانية والأطماع الشخصية. حتى إنّ هذه الكوارث والمآسي يجري استغلالها فتكون مدخلاً للابتزاز والمساومات بأبشع الصور، وكارثة الزلزال في سورية تدخل ضمن ذلك.
يكفي أن نتابع بعض الإعلام العربي لنعرف كيف استغلوا الكارثة للنيل من الدولة السورية وكيف تم تجاهل مُصاب السوريين وآلامهم وكأنهم خارج الاعتبارات الإنسانية، فقط لأنهم يقفون مع دولتهم ويساندونها ويؤمنون أنها وحدها فقط من يحميهم ويحترم حياتهم وإنسانيتهم ويضمن لهم مستقبلهم مهما اشتدت عليهم وطأة الحرب الاقتصادية الأميركية.

إذاً كيف السبيل لكسر الحصار الأميركي؟
في اليومين الماضيين من عمر الكارثة شاهد كل العالم كيف اندفع السوريون من أفراد وجمعيات وأحزاب ومنظمات أهلية وقوى عسكرية وأمنية وقطاع المال والأعمال، وكامل أجهزة الدولة، ليكونوا يداً واحدة في المناطق المنكوبة. هكذا هم السوريون.. هكذا يقاومون الحصار ويتحدونه.. وهكذا سيكسرونه حتى لو أدار العالم كله ظهره لهم..

أقرأ أيضاً:

كسر جزئي للحصار.. هل يصبح كلياً؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار