تفاعل الإصلاح والمحافظة

‏توفي البابا بنديكتوس آخر يوم من السنة التي مضت قبل يومين، وخصص له البابا فرنسيس عدة عبارات من عظة رأس السنة ليصفه بـ(البابا اللطيف، النبيل، الهادئ، والمفكر) ومع رحيله يعود إلى النقاش ما تركه من أثر, حيث شق طريق (استقالة البابا) وكان أول بابا يستقيل منذ ستة قرون. كما أنه رسخ إمكانية وجود باباوين اثنين في الفاتيكان؛ أحدهما البابا الفاعل المنفذ فرنسيس، والآخر البابا الفخري بنديكتوس، وخاصة أنه عاش في الظل محترماً مكانة وصلاحيات وسلطات البابا فرنسيس، وجاءت صورة حضور الباباوين لحفل تكريم الكرادلة الجدد مؤخراً، حيث رأينا باباوين يلبس كل منهما الرداء الأبيض، ويجلسان على كرسيين متجاورين وبالدرجة نفسها، وأهم ما شكّله وجود الباباوين؛ تجاور البابا الإصلاحي فرنسيس مع البابا التقليدي المحافظ بنديكتوس، الأمر الذي يشير بشكل مجسد إلى جدلية الإصلاح مع التقليد، و تكاملهما عبر التفاعل المستمر، ولو تحت سقف الكنيسة.

‏كل ذلك يجعلنا نتذكر فيلم” الباباوان” الذي أنتج العام 2019 و رشح للأوسكار، الفيلم استند إلى مسرحية من تأليف (انطوني ما كارتن) ومن إخراج البرازيلي (فرناندو ميريليس) وأدى شخصية بنديكتوس باقتدار(انطوني هوبكنز) وقام بدور فرنسيس (جوناثان برايس)، وبرأيي أن هذا الفيلم قدم جوهر معنى” الباباوان” من حيث تفاعل الإصلاح مع التقليدية. والمفارقة أن تقليدية بنديكتوس قادته ليرى أن إصلاحية فرنسيس هي المناسبة لجعل صاحبها البابا الملائم للفاتيكان، وبذلك قرر بنديكتوس إعلان استقالته بحجة تقدمه بالعمر، كما قررت تقليدية بنديكتوس دعم الإصلاحي ليصل إلى سدة البابوية. وبسبب تميز الحكاية البسيطة التي قامت على زيارة كردينال الأرجنتين (خورخي برجوليو) إلى البابا بنديكتوس ليقدم له استقالته. ولكن الأخير استضافه لفترة عنده في الدير، وأثناء هذه الاستضافة تواصل بنديكتوس البابا التقليدي المحافظ مع الكاردينال خورخي الإصلاحي المستغرق في حياة الناس وهمومهم، وبدل قبول استقالة خورخي استقال بنديكتوس ودعم ترشيح خورخي ليكون البابا فرنسيس. قصة بسيطة معبرة وحقيقية مع أداء تمثيلي مبدع مع إخراج دقيق ومؤثر أنتج فيلماً أرّخ درامياً للبابوية وهي تتفاعل بين التقليد والإصلاح.
‏توفي البابا الفخري بنديكتوس بعد حياة مفعمة بالدراسة والفكر و الفلسفة والعقيدة واللاهوت، ويقود قداس جنازته البابا فرنسيس الإصلاحي المنفتح. إنها صفحة فيها دين ولاهوت وإصلاح وتقليدية. والأهم فيها تفاعل وتطور الحياة الإنسانية وطرق احتفاظها بالروح التي لا يمكن أن يعيش الإنسان من دونها ولا يمكن لها ألّا تكون طاقة إنسانية متفتحة …

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار