رسائل حرب «اجتثاث» معلنة
هل خلت ديارنا من الواقعين في الغواية الأمريكية التي غالباً هي غواية نخبٍ اجتماعية؟
لا نتحدّث عن محبي مايكل جاكسون ومقلديه، ولا هواة الاستعراض بقصّات شعر مشاهير هوليود وأزيائهم.. بل عن أميركيي الهوى في أوساط مؤثّرة إن في قطاع الأعمال أو المؤسسات الأخرى التي من شأنها تشريع أبوابها للفتوحات الجديدة تقليدياً، والأميركي عادة بارع في تسويق برامجه و”فتوحاته” وتغليفها ودسها بأمبلاجات مغرية.
قد يكون مثل هذا التساؤل تأخّر أكثر من أحد عشر عاماً، أي منذ اندلاع الحرب على سورية في العام 2011، وجولات روبيرت فورد الأميركي.. الجاسوس المتنكّر بهيئة سفير في مناطق مختلفة من بلادنا، للتأليب وصبّ الزيت على النار.. بل إشعال فتيلها.
هو سؤال لعلّه اعترى معظم السوريين الذين تابعوا كما كل العالم، مشهد -خروج أو إخراج- الرئيس الصيني السابق هو جينتاو من مؤتمر الحزب الشيوعي أمام كاميرات التلفزة.. والتأويلات الكثيرة التي تلته،على الرغم من الرواية الأولية التي تحدثت عن وعكة صحية ألمت بالرجل الطاعن في السن والتطمينات بأنه تجاوز الأزمة.
فثمة قراءات أخرى للواقعة ترتبط بحذاقة الأصدقاء الصينيين في تدبيج الرسائل البليغة إلى “من يهمه الأمر” في صراع عالمي محتدم حالياً على مستوى الأقطاب، كحلقة ومشهد متقدم لسيناريو بات قديماً اسمه النظام العالمي الجديد.
بالفعل.. تؤكد الوقائع المتسارعة أن العالم أمسى أمام بدايات حرب “رد اعتبار” عالميّة تقريباً، أو جولة ردع قد تطول.. السيناريو الأبرز فيها هو اجتثاث النخب الواقعة في الغواية الأميركية، والتي نظن أن ليس من دولة في هذا العالم تخلو منها، بما في ذلك “أصدقاء” أميركا التي لا تعترف بقيمة اسمها الصداقة، إلّا أن تركيزها في الاستهداف كان عالياً على الدول الكبرى من أنداد مصالحها في الشرق والغرب أيضاً.
قد يكون ما جرى مؤخراً داخل قاعة المؤتمر الصيني، أحد تجليات الحرب الجديدة و إجابة مباشرة عن سبب كون الصين الزبون الأكبر على الإطلاق لسندات الخزينة الأميركية رغم الحرب التجارية والاقتصادية المعلنة بين الطرفين.. ويشير محللون إلى أن القطاع المالي بمؤسساته الكبرى في الصين كان لردح غير قصير من الزمن ، أسير إدارة من استهواهم اللعب مع رعاة البقر.
اجتثاث الغواية الأميركية بدأ ليس في الصين وحدها.. بل في روسيا وما حولها أيضاً، ولدى واشنطن عائدات مجزية وفيرة مما دسته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي هناك، خصوصاً على زمن الرئيس يلتسين الذي تكفل بتشريع أبواب موسكو على مصراعيها أمام الرياح الأميركية، و لم تكن قهقهات بيل كلينتون في اللقاءات الثنائية المتكررة بفعل “تهريجات الزعيم المخمور دائماً بقدر ما كانت من وحي نشوة انتصارات تنجز تباعاً.
اليوم بات على كل بلد في هذا العالم أن يفتش عن الأصابع الأميركية السوداء.. في مصانعه وحقوله و هيئاته البحثية، وفي المكاتب وحتى في غرف النوم.. فللحرب الباردة طقوسها الخفية التي تراكمت واستنسخت نفسها بوسائل بالغة الخبث.
الحرب التقليدية هي أن يقتلع رجل أرعن أشجار جاره ويعلن التحدي في النهار، أما الحرب الباردة فهي أن يقتلع الأشجار خلسة في الليل ويسطو على الحطب ويفسد التربة بكيماويات مانعة للإنبات.
الجواسيس الاقتصاديون هم الأدوات الأكثر فعالية لدس السم البطيء في حنايا المجتمعات أو الدول واقتصاداتها.. لذا ومن باب الاطمئنان يجب أن يبقى السؤال دوماً: هل خلت ديارنا.. مصانعنا ومؤسساتنا ولاسيما البحثية الزراعية بما أن الزراعة “سر بقائنا”، هل خلت من المأخوذين والواقعين في الغواية الأميركية؟