شبح التريث..؟!

لا أكاد التقي أيّ زميل من زملاء كار الصحافة في هذه الأيام “المرّة”، مصادفةً أو أثناء الركض وراء لقمة العيش حتى يكون الهاجس المعيشي وتكاليف هذه المهنة المتزايدة هو الحاضر الثالث بقوة، فحال الصحفيين الصعب فرض نفسه على كل الأحاديث من دون أن يلقى ذلك استجابة أو حتى مجرد وعود لتحسينه أسوة ببقية النقابات، مع إن الأصوات ارتفعت وبحت من كثرة المطالبة بالحقوق لكون العمل الصحفي لا يقل أهميةً عن قطاعات استُجيب لهموم أهلها، إلّا إذا كان المعنيون غير معترفين بتأثير الإعلام ودوره.

مطالب الصحفيين بتحسين معيشتهم ليست من باب الترف أو الرغبة في العيش ببحبوحة، كما تعتقد الأغلبية من حيث إن الصحفيين ينعمون بها، فجلّ الطموح يتركز على زيادة رواتب مقبولة ورفع طبيعة العمل بما يتناسب مع الجهد وحجم العمل الكبير، فاليوم رواتبهم الضحلة لا تغطي ثمن اتصالات ومواصلات العمل و”الاستكتاب” لا يشتري فروجاً حتى مع انخفاض سعره، والمستغرب طريقة صمّ آذان الجهات المعنية عن هذه المطالب وتجاهل هموم الصحفيين، وكأنهم يطالبون بأمر لا يستحقونه، ليأتي الجواب الصادم بـ”التريث” دوماً مع إن المبالغ التي ستدفع لقاء ذلك لا توازي ثمن تنظيم مؤتمر أو ملتقى، حيث لا تتجاوز أعدادهم بضعة آلاف والأموال التي ستصرف لتخفيف معاناتهم لا تتعدى بضعة ملايين ستكون قليلة قياساً بالمنافع الكثيرة التي ستنعكس إيجاباً على حياة الصحفيين وأسرهم وتحسين جودة المنتج الإعلامي، والأهم إزاحة شعور الإحباط وعدم الجدوى المنتشر في الوسط الإعلامي لدرجة يفكر كثر بترك هذه المهنة وهجرها أو العمل بوسائل أخرى تحقق لهم دخلاً مادياً أفضل، ما يطرح تساؤلات مشروعة بشأن الإصرار على إبقاء الصحفيين في خانة الموظف والمنهك مادياً.

رفع مستوى العمل الإعلامي، وكذلك مستوى معيشة الصحفيين أصبحا أمرين متلازمين ولا مفر من إنجازهما، وما دام صناع القرار يصرون على الرفض “على عينكم يا صحفيين”،فإن الأمل الوحيد يبقى في إصدار قانون الإعلام المنتظر الذي يعول عليه بإنهاء حقبة “الصحفي كموظف”

والتعامل معه وفق طبيعة عمل فكرية تراعي نتاج عمله، وتالياً يكون المردود المادي “محرز” حسب الجهد الإبداعي والكفاءة.

لذا، اليوم أنظار الصحفيين معلقة نحو قانون الإعلام الذي نرجو إصداره قريباً بالسرعة ذاتها التي صدر بها قانون الجريمة الإلكترونية لعلّه يعيد إلى كار الصحافة هيبتها وقوتها الناعمة، فإذا كان المعنيون غير مقدّرين جهد الإعلاميين، فلا ضير أن يتولى أهل هذه المهنة مسؤولية استرداد مكانة صاحبة الجلالة، بدل انتظار رحمة “الماليين” وإبعاد شبح “التريث” عن أقلامنا ومعيشتنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار